لم يكن الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم أو نظيره الألماني بحاجة إلى المفاجآت ليجذبا جمهوراً إضافياً حول العالم، لكن الحضور المميّز لهال سيتي وهوفنهايم، الوافدين إلى الأضواء أضاف نكهة خاصة بعد اختراق الناديين الصغيرين لمراكز الكبار على لائحتي الترتيب العام
شربل كريم
نبدأ القصة من «البوندسليغه» حيث يتربع هوفنهايم وحيداً على عرش الصدارة، تاركاً وراءه جميع الفرق المرشّحة للظفر باللقب في نهاية الموسم، وبينها حامله بايرن ميونيخ العريق الذي توقع مدربه يورغن كلينسمان عشية انطلاق البطولة أن ينافس الفريق الصغير على مركز مؤهلٍ إلى إحدى البطولتين الأوروبيتين. كثرٌ في ألمانيا يعرفون اسم رئيس النادي الملياردير ديتمار هوب، وأكثر منهم كانوا لا يعرفون حتى أين تقع «قرية» هوفنهايم (جنوب شرق البلاد) التي يقطنها حوالى 3 آلاف نسمة. لكن الرجل العجوز قرر أن يحمل على أكتافه عبء الفريق الذي لعب معه في ريعان شبابه، راصداً ميزانية بقيمة 20 مليون يورو لشراء اللاعبين أثمرت صعوداً صاروخياً من الدرجات الأدنى، وصولاً إلى دوري الأضواء. أما اللافت، فإنه يشرع في بناء ملعب جديد سيتسع لعدد متفرّجين يفوق بعشر مرات عدد سكان البلدة!
وفي الوقت الذي يعشق فيه الجمهور المحلي رئيس النادي، بدا أن جماهير الفرق الأخرى تكرهه كثيراً، وهو أمر دفع رئيس الاتحاد الألماني ثيو زفانتزيغر إلى الدفاع عنه، مقدّراً الطموح الذي رفع النادي من الدرجة الثامنة إلى الأولى. الأمر الأكيد أن هوب ليس مثل رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشلسي الإنكليزي، فهو استقدم أسماءً مغمورة أمثال السنغالي ـــــ الفرنسي ديمبا با والنيجيري شينيدو أوباسي والبوسنيين سيجاد ساليهوفيتش وفيداد إيبيسيفيتش متصدّر هدافي الدوري بعشرة أهداف، وهؤلاء حملوا الفريق (صاحب أقوى خط هجوم بـ 24 هدفاً) حتى الآن بقيادة مدربٍ شاب سبق أن حصد الفشل مع شتوتغارت وشالكه هو رالف رانغنيك المفاجأ ممّا قدّمه فريقه بعد تسع مراحل على عمر البطولة.
وفي عملية حسابية بسيطة، يبدو مدهشاً أن مجموع ما صرفه هوفنهايم للحصول على توقيع «الفرسان الثلاثة» إيبيسيفيتش (1.2 مليون يورو) وأوباسي (5.5 ملايين) وبا (3 ملايين) لا يتجاوز عشرة ملايين من العملة الأوروبية، وهو رقم يصعب من خلاله شراء لاعبٍ واحدٍ في ظل ارتفاع الأسعار في سوق الانتقالات.
وإذ يتساءل الجميع عن سرّ الفريق الألماني الصغير، فإنه يمكن القول إن إصرار اللاعبين على إثبات انفسهم وترك بصماتهم انعكس إيجاباً على أدائهم، وعلى رأسهم إيبيسيفيتش الذي خاض تجربة فاشلة مع باريس سان جيرمان الفرنسي قبل انتقاله إلى المانيا للعب مع أليمانيا آخن المغمور، ومنه حطّ في هوفنهايم.
أضف أن الفريق بُني وفق خطة صلبة لإعلاء شأنه بقيادة هوب الطموح، وهو لا يعيش الضغوظ الإعلامية التي تحيط بالفرق الأخرى، إذ إنه لا أحد يتوقع المعجزات من لاعبيه الذين أصبحوا يفجّرون المفاجآت أسبوعاً بعد آخر بأعصابٍ باردة.
وإذ تعيد قصة هوفنهايم إلى الأذهان ما أقدم عليه كايزرسلاوترن الذي صعد إلى الدرجة الأولى موسم 1997ـــــ1998 وفــــاز بلقـــب الـــدوري وقتذاك، فإن لهال سيتي قصة أخرى، لكونه أعرق من نظيره الألماني، وعاش فترات صعود وهبوط في المستوى، متخبّطاً بين الدرجات الدنيا (تأسس عام 1904) حتى انتهى به الأمر في الـ«برميير ليغ».
ويتميز الفريق، الذي يحتل المركز الثالث حالياً على لائحة الترتيب، بحصد الانتصارات بعيداً عن ملعبه، وهذا ما فعله في مبارياته الأربع الأخيرة حيث عاد غانماً النقاط من ملاعب نيوكاسل يونايتد وأرسنال وتوتنهام هوتسبر على التوالي.
الفريق لا يضم الكثير من اللاعبين الوافدين من خارج الجزيرة البريطانية، ويقوده المدرب فيل براون الذي يقف على خط الملعب وهو على اتصالٍ بأحد مساعديه الجالس في المدرجات ضمن سعيه لعدم تفويت تغطية أي بقعة في الملعب من دون بسط سيطرته التكتيكية عليها.
السلاح الأقوى في يد براون هو تعطش اللاعبين لتأكيد موهبتهم بين الكبار، إذ إن المهاجم دين وينداس مثلاً يدافع عن ألوان «النمور» وهو في الـ 39 من العمر، وذلك بعدما ترك الفريق عام 1995 بسبب مشاكل مالية وعاد إليه في الموسم الماضي مسجلاً الهدف الذي نقله إلى دوري النخبة!
هوفنهايم وهال سيتي يترجمان فعلاً النظرية القائلة بأن بناء فريقٍ جيّد لا يحتاج إلى خزينة مليئة بالعملة، بل إن سرّ النجاح هو الروح الجماعية والطموح اللامتناهي.


انتصارات تواجه بتهديدات

مع كل انتصارٍ يحققه هوفنهايم، تزداد التهديدات بالقتل لرئيسه الملياردير ديتمار هوب، وقد خرجت هذه التهديدات إلى العلن في مباراة الفريق أمام بوروسيا دورتموند، حيث ألقت الشرطة القبض على أحد مشجعي الأخير الذي حمل صورةً عليها وجه هوب على شاكلة إشارة كتلك التي يصوّب عليها عند إطلاق النار من الأسلحة الحربية!