شربل كريّمإنه الرجل الذي تلاحقه كاميرات المصوّرين أينما حلّ. هو الرجل نفسه الذي أسّس له مشجّعوه كنيسة تحمل اسمه بعدما عشقوه حتى العبادة. إنه ذاك القصير القامة الذي يرد اسمه على لسان كل من يتابع مباريات كرة القدم عند تألّق لاعبٍ ما، إذ يكون هو معيار المقارنة عندما تكون كلمة الأفضل على الإطلاق عنوان الجدال. إنه «الأسطورة» دييغو أرماندو مارادونا الذي يحلم الجميع بأن يلتقوه أو يلمحوه عن كثب، مثلما سعيت أنا شخصياً خلال دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها بكين في آب الماضي. إذ، صدقاً، لم تكن حماستي للذهاب إلى ملعب «العمال» لتغطية وقائع مباراة الدور نصف النهائي بين الأرجنتين والبرازيل ناتجة من سعيٍ وراء رؤية نجوم اليوم، أي ليونيل ميسي أو رونالدينيو، بل لرؤية، ولو لبرهة، ذاك النجم الذي أصبح اسمه مرادفاً للعبة الشعبية الأولى في العالم منذ «ملحمة المكسيك 1986» عندما قاد بلاده إلى الفوز بكأس العالم.
هذه الحماسة لا تجدها فقط عند شخصٍ لم يرَ مارادونا عن قربٍ سابقاً، بل دُهشت بحالة الهستيريا التي أصابت كل أولئك الزملاء الناطقين باللغة الإسبانية، وخصوصاً الأرجنتينيين منهم، للذهاب إلى الملعب والتحديق في المدرجات الواسعة والمتباعدة لعلّهم يلمحون اللحظة الأجمل، وذلك عندما يفجّر فيها جنونه بهدفٍ ما كما يفعل عادةً عند حضوره مباريات الأرجنتين أو فريقه المفضل بوكا جونيورز.
لطالما تنقّل مارادونا بين القارات مرتدياً قميص الـ«ألبي تشيليستي»، مانحاً معنويات لا حدود لها لأبناء بلاده الذين لم يتخيّل أيّ منهم أن يلعب تحت إدارة ذاك الرجل الفذ الذي يدخل غرف الملابس غير آبهٍ بالشكليات الرسمية ليمازحهم ويحتفل معهم بالانتصارات أو يبكي الهزائم.
اليوم أصبح مارادونا في صف أولئك الذين يرتدون البزات ويقفون على خط الملعب. وقد أثار نبأ تعيينه تساؤلات لا حدود لها، وخصوصاً أنه لا يملك تاريخاً مجيداً في عالم التدريب.
الأمر الأكيد هو أن الاتحاد الأرجنتيني بدأ يعتمد الخطة «ب»، أي بعد فشل التقنيين في تحقيق المطلوب، اتجه نحو شخصٍ يمكن أن يكون تأثيره الإيجابي على اللاعبين من ناحية مغايرة كليّاً، وتحديداً في الشق المعنوي، لأنه برأي البعض سيلعب هؤلاء من أجل دييغو، وهم الذين أهدوه، غالباً، الأهداف والانتصارات وهو يجلس في منصة الشرف، شاكرين له بعد كل مباراة دعمه المعنوي الذي كان لاعباً إضافياً على أرض الملعب.
التشكيك في قدرة المدرب النجم على انتشال المنتخب الأرجنتيني مبرّر، لكن في ظلّ وفرة النجوم ضمن تشكيلته وتعطّش هؤلاء لاستعادة زمن ماريو كامبس 1978 ومارادونا 1986، يسقط الخوف، لأن أفضل مدرب هم اللاعبون الذين بعطائهم يمكن أن يغطّوا كل «عورات» الثقافة التدريبية الناقصة عند مدرّبهم الجديد.
تعيين مارادونا يطرح الكثير من الأسئلة الفكاهية، أوّلها هل يحمل «الولد الذهبي» تصرّفاته المجنونة إلى عالم التدريب، فيترجم حبّه للهجوم دون سواه عبر استدعائه مثلاً 20 مهاجماً وحارسي مرمى في تشكيلته الأولى؟
الجواب، طبعاً لا. لكن لا يستبعد أن تتضمن أول حصة تدريبية تمريناً خاصاً على كيفية خداع الحكام والحراس عبر تسجيل هدفٍ باليد!
أعتقد أن ميسي سيكون التلميذ الأشطر في هذه الحصة، بينما سيكون «الصهر» سيرجيو أغويرو التلميذ المدلّل الذي لا يعاقب في صف أستاذٍ يمكن أن يكون مشاغباً أكثر من طلابه. فاحذروا يا أصحاب الصافرات والرايات.