مشاهد عدّة يمكن للمرء الخروج بها من ملعب «العمال» في العاصمة بكين، بعدما أضاف منتخبا الأرجنتين والبرازيل إلى تاريخه الطويل، الذي بدأ عام 1959 أيام الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، فصلاً جديداً لا ينسى
بكين ـ شربل كريّم
تختلط الصور ما بين الوصول إلى الملعب ومغادرته، لكن تلك التي لا يمكن نسيانها هي أربع: الزحف غير الطبيعي للجمهور، حالة الهستيريا التي تصيب هؤلاء في كل مرّة كانت تُعرض فيها صورة دييغو أرماندو مارادونا على الشاشة العملاقة، حجم ليونيل ميسي وسيرجيو أغويرو بعيداً عن شاشة التلفزيون، وأخيراً لون وجه المدرّب البرازيلي كارلوس دونغا لحظة دخوله إلى المؤتمر الصحافي عقب الخسارة المذلّة لمنتخبه أمام الغريم التقليدي بثلاثية نظيفة.
في الدور الأول من مسابقة كرة القدم ضمن دورة الألعاب الأولمبية، كان بلوغ ملعب «العمال» من المقرّ الإعلامي يحتاج إلى نصف ساعة من الوقت حدّاً أقصى، لكن عنوان مباراة «التانغو» و«السامبا» أفرغ الشوارع من روادها وحصرهم على طريقٍ واحدة هي تلك المؤدّية إلى مداخل الملعب، فاحتاج الوصول إليه إلى ساعة ونصف!
إلا أن الأمر اللافت في توافد 52968 متفرجاً، هو أن هؤلاء قدموا لتشجيع الأرجنتين أو البرازيل بحماسة تشجيع منتخب بلادهم الذي ودّع باكراً، فارتدوا ألوان المنتخبين، واعتمدوا كلمة تقليدية واحدة للهتاف «جيايو (إلى الأمام) أرجنتين» و«جيايو برازيل».
أما حالة الهستيريا، فكانت تنتاب الجمهور المنقسم عند مشاهدته «الأسطورة» مارادونا على الشاشة الكبيرة في الملعب حيث كان يتابع اللقاء من المنصة الرئيسية، وهو ردّ في كل مرّةٍ ملوّحاً بيده، قبل أن يتحوّل بدوره مشجعاً مجنوناً مع كل حركةٍ فنية لميسي ومع كل هدفٍ لأغويرو، ولهذين الاثنين قصة أخرى.
ففي المنطقة المخصصة لإجراء المقابلات الصحافية، يتوافد اللاعبون بعد انتهاء كل مباراة، وتتفاوت ردود فعل الصحافيين بحسب اللاعب الذي ينضم إليهم لدقائق معدودة. وهناك في تلك المساحة، تُفاجأ ببعض اللاعبين الذين تبدو صورتهم الحقيقية مغايرة لتلك التي ينقلها التلفزيون. فميسي وأغويرو مثلاً يبدوان بحجم قامتيهما الصغيرتين ووجهيهما الطفوليين، كأنهما تلميذا مدرسة، لكن موهبتيهما على أرض الملعب تتحدّى العمالقة. فالأول لا يهاب عرقلات الخصوم القاسية، والثاني يلتحم عمداً ومن دون خوف مع المدافعين الذين ينطلقون نحوه «للقضاء عليه» فور تسلّمه الكرة.
وليس مبالغاً القول إن لون وجه المدرب دونغا أصبح بلون القميص البرازيلي، بعد الصدمة الأخيرة التي لم يعرفها «السيليساو» أمام منافسه الأول على عرش الكرة اللاتينية منذ فترة طويلة.
باختصار، بدت البرازيل متواضعة في تلك الأمسية، وحتى سور الصين العظيم لم يكن ليقف حائلاً دون وصول الأرجنتينيين إلى الشباك، ودكّه بثلاثية تاريخية جعلت البرازيليين يرصدون إحراز جائزة الترضية المتمثّلة بالميدالية البرونزية عندما يلاقون المنتخب البلجيكي اليوم.


دونغا وفقدان الثقة بالنفس

دخل دونغا إلى المؤتمر الصحافي الذي أعطيت فيه الأفضلية للصحافيين البرازيليين والأرجنتينيين (بسبب عدم إمكان استقبال الحشد الإعلامي الكبير في القاعة)، وبدت كلمات الثقة بقدراته تخرج بصعوبة من فمه، وربما شوّشت ذهنه صورة مواطنه، المدرب السابق فاندرلي لوكسمبورغو، الذي أقيل من منصبه بعد فشله في أولمبياد سيدني 2000.