اللون الأسود يغزو ميادين الرياضة في العالم، ويزيّن منصات التتويج أينما حلّ وتجوّل. حصل هذا منذ أن سمحت القوانين بمشاركتهم وكسرت حواجز التفرقة العنصرية، فتفوّق الأسود على الأبيض
علي صفا
في مهرجان ألعاب أولمبياد بكين الذي اختتم الأحد الماضي، تلمع الأجساد السوداء وأسماؤها كما تلمع الميداليات حول أعناقهم... من مسابقات ألعاب القوى إلى كرة السلة والقدم والملاكمة والتنس وتزحف نحو غيرها. لماذا الأسود صار فوق الأبيض وأمامه؟.. تلك حكاية متشعبة، لها جذور اجتماعية، نفسية، جسدية ومادية... نحو طموح لا ينتهي. الإنسان ابن بيئته، في ثقافته وبنيته الجسدية وطاقاته، وصولاً إلى واقعه النظامي السياسي.
وقد وقع الإنسان الأسود فريسة الأبيض وسطوته على مدى قرون من العبودية، قبل أن تحطّم النضالات قيوده فيستعيد حقه الإنساني، ومن ثم يسترد اعتباره في ميادين الرياضة في بلاده والعالم أجمع.

لماذا الأسود؟

ينشأ الإنسان الأسود في بيئات طبيعية تستدعي الحركة والتنقل والتحمّل، ما يمنحه بنية جسدية قوية. ويمتاز رجال السهول بقامات وأطراف طويلة تمنحهم القدرة على قطع المسافات الطويلة، فيما يتميز رجال الغابات بقصر القامة والسرعة، وهذا ما نلاحظه تماماً لدى أبطال المسافات الطويلة والقصيرة في ألعاب القوى. كما يتميّز العرق الأسود أيضاً بقلة انتشار تصلّب
الشرايين.
وهذا ما يميّز الأعراق السوداء التي نشأت في أفريقيا وتوزعت وانتشرت في سائر القارات على جنسيات مختلفة حيثما حلّت.
تلك الشرائح السوداء عاشت في بلادها فقيرة، محرومة، محكومة ومضطهدة من حكامها البيض عبر تاريخها، فوجدت في الرياضة ميداناً لكسر تلك القيود بمهارات ذاتية، بدأت بالجري ووصلت إلى الألعاب الجماعية وفروعها، حيث رعتها القوانين، وخصوصاً في الألعاب الأولمبية وشرعتها الراقية التي نبذت التفرقة العنصرية والتعصّب بأشكاله. ومن هنا برز نجوم القوة السوداء.
ففي أولمبياد استوكهولم 1912، طار اسم جيم تورب، الهندي الأحمر، بطل ذهبيتي مسابقتي الخماسي والعشاري أيضاً، بفوز تاريخي، لم يتكرر حتى الآن.
وفي أولمبياد برلين 1936، تألّق الأميركي الأسود جيسي أوينز بأربع ميداليات ذهبية أحرجت هتلر وكل شعارات التفوّق
الأبيض.
وتوالت الكواكب السوداء عبر الملاكم الكوبي ستيفنسون (أولمبيادات 52، 56، 72)، والملاكم الأسطوري محمد علي، والعدّاء الماسي كارل لويس، وصولاً إلى الجامايكي أوساين بولت، أسرع رجل في العالم (ذهبيتي 100 م و200م وبأرقام قياسية في بكين 2008)، وما زال الإثيوبي هايلي جيبريسيلاسي مستمراً كأبرز عدّائي المسافات المتوسطة والطويلة، ولا تزال القوى السوداء تحكم وتحتكر أرقام العالم القياسية.
وهكذا، خرجت القوى السوداء من أقفاصها لتطير حول ملاعب العالم وألعابها، وتدخل ميادين الاحتراف وتنتقل إلى عالم النجومية والغنى والمجد، وتمثّل رموز بلادها وسفراءها. وفي كل حال، يبقى واضحاً كالشمس تفوّق الأسود على مدى مئة عام، وتفجّر طاقات العملاق الصيني الأصفر عبر أبطاله في أولمبياد بكين الحالي مع تفوّق الأبطال السود لأميركا وجامايكا وأفريقيا.
اللون الأسود هو أساس لون البشر حسب بداية وجودهم وغيرهُ هو الملوّن، ولهذا حكاية أخرى.


بيكيلي وديبابا فوق العرش

كانت ألعاب بكين مسرحاً لتألق العداء الإثيوبي كينينيسا بيكيلي الذي بات خامس عداء في تاريخ الألعاب يجمع بين ذهبيتي سباقي 5 آلاف و10 آلاف م، وكذلك مواطنته تيرونيش ديبابا، فجمعت هي الأخرى ذهبيتي السباقين الطويلين كما فعلت في بطولة العالم بهلسنكي 2005