شربل كريمالركض وراء المتظاهرين المطالبين بحرية التيبت، وسباق بعض السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة لتسويق فكرة المقاطعة، يؤكدان أن الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها العاصمة الصينية بكين، الشهر المقبل، بدأت فعلاً في ملاعب السياسة ومناطق هذا البلد الشاسع الذي يستعد لاحتضان أهم حدث رياضي في تاريخه.
إذاً، ليس لبنان البلد الوحيد الذي تنغمس فيه الرياضة في الزواريب المظلمة للسياسة، فهذه «الخبصة» تظهر اليوم عالمياً وعلى أوسع مسرح متمثل بالصين ونظامها الشيوعي الساعي إلى استئصال الرواسب التي تفرزها السياسة يومياً، وزاد العمل لإبعادها عن الألعاب الأولمبية التي تبث روح الهدنة والسلام وتناهض العنف الذي تتهم الصين بممارسته.
لا يمكن الابتعاد عن الموضوعية والقول إن بلد المليار نسمة يضمن حقوق الإنسان مئة في المئة على غرار ما هو عليه الأمر في بلدان عدّة، لكن ما يمكن الجزم به هو أن الصين ليست الأولى التي تتخبط في نفق الرياضة والسياسة عبر الأولمبياد، لأن هذه الألعاب لطالما تداخلت مع الأوضاع العالمية، لا بل طغت الأجواء السياسية على المنافسات في بعض الأحيان، كما حصل في برلين 1936 ونظرة أدولف هتلر العنصرية إلى العدّاء الأميركي جيسي جونز، فيما ترافق أولمبياد هلسنكي 1952 مع بداية الحرب الباردة، واختلطت دماء 11 رياضياً إسرائيلياً بالذهب والفضة والبرونز في ميونيخ 1972، وجرت مقاطعة واسعة لألعاب موسكو 1980 على خلفية اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وردّ السوفيات وحلفاؤهم بمقاطعة دورة لوس أنجلس 1984...
لكن يبدو أن مسألة تداخل السياسة بالألعاب الأولمبية ستصل إلى ذروتها في بكين 2008 بعدما انقسمت الآراء حتى قبل سبعة أعوام على اختيار الصين للاستضافة، إذ رأى البعض أن الألعاب ستساعد البلد صاحب القوة الاقتصادية المتعاظمة لإظهار صورة حضارية أمام العالم، بينما أشار آخرون إلى أنها ستقوّي النظام الحاكم.
لا شك في أن الصين العملاقة تعيش إرباكاً حقيقياً مع العدّ العكسي لانطلاق الألعاب الأولمبية، والسبب ليس الزلازل أو التلوّث، بل لأن أنظار العالم ووسائل إعلامه المختلفة مسلّطتان عليها وتراقب كل حركة صغيرة أو كبيرة، وحتى بعض الصحافيين الذين ذهبوا إلى بلاد السور العظيم لمتابعة الاستعدادات للاستضافة عن كثب وجدوا أنفسهم في قبضة رجال الأمن بعد انجرافهم إلى المشاركة في التظاهرات ضد النظام!
من هنا، يمكن اعتبار أن الوضع سيكون محرجاً للصحافيين الميدانيين الشهر المقبل، وقد لا تكون البطاقة الصحافية جواز مرور سهل في حال حصول أي إشكال معهم في شوارع العاصمة المكتظة، رغم أن الصينيين يتوقع أن يتصرفوا بذكاء، فاتحين الأبواب، لكن بحذر، أمام أولئك الذين سينقلون، بعضهم بموضوعية، وآخرون بحسابات سياسية خاصة مساندة لرأي بلدانهم، ما يدور في الكواليس وخارجها.
فعلاً ستكون تغطية الألعاب الأولمبية خطوة استثنائية هذه المرّة، يمكن لمن يكون حاضراً فيها أن يضعها لاحقاً إشارة بارزة على سيرته الذاتية، كدليل على «المغامرة» الفريدة التي عاشها.