شربل كريمبعد سقوط الأنظمة الشيوعية في وسط أوروبا وشرقها مطلع تسعينيات القرن الماضي، تحوّل الأوروبيون إلى جيران من نوع آخر، إذ «لم تعد» الحدود موجودة بطبيعتها، وأخذت بلدان القارة العجوز ينفتح بعضها على البعض الآخر اقتصادياً وثقافياً وسياسياً بعد حربٍ باردة طويلة بدأت منذ منتصف الأربعينيات.التواصل أصبح أسهل وعبر الملايين من الشبان لتلقي تعاليمهم في الجامعات الأوروبية المختلفة، كما اختارت بعض العائلات الاستقرار في بلدانٍ أخرى، وحصل أبناؤها على جنسيات مزدوجة، وسط إدراك البلدان الأخرى أنها تخسر عدداً لا يستهان به من الكوادر التي قد تعطي الأفضلية لموطن نشأتها على وطنها الأم.
صحيح أن المقدمة هي لمحة تاريخية يعرفها الكثير من الناس، لكن لا بد منها للتصويب على ما يحصل حالياً على الصعيد الرياضي وفي كرة القدم تحديداً بعدما أظهرت كأس أوروبا 2008 أن القارة الأوروبية أشبه بقرية كبيرة موحدة لا حدود لها.
الألماني لوكاس بودولسكي سجل في مرمى بولونيا، بلاده الأصلية، وأقاربه كانوا في المدرجات يشجعون ضده. ولا يختلف الأمر ناحية السويسري هاكان ياكين الذي يمكن المعرفة من اسمه أنه تركي أصيل، لكنه وجد نفسه على بعد أمتارٍ قليلة من مرمى تركيا فلم يتأخر عن هزّ الشباك من دون أن يحتفل، تماماً كما فعل بودولسكي احتراماً لمشاعر أبناء جلدته.
الصحف البولونية التي جاهرت بعدائها للألمان شحنت مشاعر أبناء بلادها الذين تذوّق أجدادهم وحتى آباءهم مرّ البطش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن تأتيهم المحن من أحد أبنائهم الذين سماه البعض «الابن الضال» وعدّه البعض الآخر «أسيراً» من دون حرب!
أما الأتراك الذين لطالما عرفوا بتعصّبهم، رفض لاعبوهم الذين يحملون الجنسية الألمانية (حميد وخليل التينتوب ويلديراي باشتورك ونوري شاهين) إلا العودة للدفاع عن قميص الوطن، رغم تعلمهم أصول الكرة في ألمانيا وعدم لعبهم مع أندية تركية، فقد أشاروا إلى ياكين قبل المباراة وبعدها بأنه خائن، ومن دون شك فإن فوزهم على سويسرا خفّف بشكلٍ أو بآخر من حدّة الحقد على الرجل.
وعموماً، ليست ألمانيا وحدها محطّ هذه المفارقة بجمعها لاعبين من خارج حدودها، إذ إن المنتخبات الأخرى استفادت أيضاً من المهاجرين إليها، لا بل ذهب بعضها أبعد من ذلك بتجنيس البرازيليين والأرجنتينيين.
ويضاف إلى ياكين في سويسرا تركي آخر هو غوكان إينلر وغيلسون فرنانديز القادم من الرأس الأخضر وفالون بهرامي البوسني الأصل وترانكويلو بارنيتا المنحدر من إيطاليا. أما البرتغال فقد جمعت ديكو وبيبي من البرازيل وبوسينغوا من الكونغو، وجنّست تركيا البرازيلي «مهمت» أوريليو، والنمسا التركيين رمضان أوزكان وأوميت قرقماز لينضما إلى المخضرم الكرواتي الأصل إيفيكا فاستيتش.
أما في منتخب فرنسا، فحدّث ولا حرج، لأن لاعبيه قدموا من مختلف أنحاء القارات، بينما تبرز في هولندا أسماء عربية، ومغربية تحديداً، أي خالد بولحروز وإبراهيم أفيلاي. وفي السويد اسم بوسني هو النجم زلاتان إبراهيموفيتش، بينما سلكت بولونيا وإسبانيا وإيطاليا اتجاهاً مغايراً بمنحها جواز السفر المحلي للبرازيلي روجير غيريرو والبرازيلي ماركوس سينا والأرجنتيني ماورو كامورانيزي على التوالي.
أين نحن العرب من انفتاح مشابه يربط بلداننا من دون حدود؟ سنظل نحتاج إلى «فيزا» وينظر إلينا كأننا أغراب في بلدانٍ شقيقة يتضامن بعضها مع بعض فقط بلغة الضاد، وما أكثر لهجاتها.