بطولة أمم أوروبا لكرة القدم حوّلت ليالينا إلى منافسات رياضية ملوّنة، نتراشق فيها اللهفة والترقّب و«التزريكات» في مشهد يقارب أجواء كأس العالم، وتتحوّل تحالفات جماهيرها من سياسات إلى منتخبات لها نكهاتها وأعلامها ونجومها وطعمها بعد وجبات أليمة شهدتها ربوع الوطن
حسن زين الدين

ترتفع الأعلام والصيحات والتكّهنات، وخصوصاً من جماهير لبنان التقليدية لألمانيا وإيطاليا وفرنسا،قبل أن ترتقي أسهم هولندا والبرتغال وإسبانيا، وتتفجر مفاجآت تركيا وكرواتيا...
على شرفات بيروت تختلط الأعلام الحزبية برايات الدول المتنافسة، وبعضها يلوّح مستقلاً لدى من التقتهم «الأخبار» وحاورتهم في سهرة ساخنة بحواراتها، التي تبقى برداً وسلاماً بين «الأعدقاء» نسبة إلى حوارات السياسة النافرة، وما يقهرهم سوى تقنين التيار الكهربائي ليبقى استمتاعهم بالحدث تحت «رحمة» اشتراك المولّدات!

بين «الدي تي» و«البزر»

في وسط بيروت أو «الداون تاون»، تلمع شاشات في المقاهي والمطاعم تجذب الروّاد لمباريات البطولة، وقد تكلّف سهرة كروية هناك مبلغاً «حرزاناً» تقابلها جلسات شعبية بأجواء حماسية مع «تزريكات» تنتشر بين البيوت والمحالّ الشعبية، ولوازم الجلسة لا تتطلب سوى تلفاز وكراسي للجلوس يتبرّع بها روّاد المكان، إضافةً إلى مرطّبات ومونة من «البزر الصغير» وهو بطل السهرة الأول.
جماهير منتعشة، وأخرى صامتة كألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وثالثة جديدة لإسبانيا والبرتغال، والكل يجمع على تقدير الطواحين الهولندية بقيادة النجم السابق فان باستن. مناصرو ألمانيا الكثر مطمئنون إلى تأهّل «المانشافت»، وأن خسارتهم أمام كرواتيا كانت مجرد«نكسة إهمال»، فيما يرتفع أصوات جماعة الطليان على التحكيم «يلي مارح يحل عنهم» فألغى هدفاً للوكا توني وحرمهم الفوز على رومانيا، على كل حال «رح ناكل جماعة الديوك الفرنسية يوم الثلاثا». ومع انطلاقة صافرة البداية تشخص العيون، ويصبح معظم الحضور محلّلين ومعلّقين، ومع صرخة المعلق الرسمي بكلمة «غووول» تنطلق الآهات والحسرات... ويتكرر المشهد، وكان الأقسى حين خسر الإيطالي «الأزوري» أمام هولندا بثلاثية قاسية، فتبعتها فرحة «الألمان»!
وفي أجواء البيوت والمحالّ، تنسحب المباريات على مزاج هواتها. ها هي «المدام» تدخل مستعجلة متجر أبو أحمد للسمانة، لشراء ربطة خبز، وعلى وقع المباراة من شاشة تلفزيونه تسأله «شو بعدن ألمانيا ربحانين»؟ فيجيب أبو أحمد بثقة «أكيد يا عيني، هيدول الألمان»، فتطمئن وتضيف مازحة قبل انصرافها «يللا منيح، هلق جوزي بكون بعدو مبسوط» فتمنح بعض زبائنه ضحكة مجانية، أما أبو أحمد الذي لا يفقه كثيراً مبادئ اللعبة، فهو يساير الجميع، كلٌّ بحسب ميوله الكروية، والمهم «رجاءً الدَين ممنوع» كما تشير اللافتة فوقه!

«كلّن عالألمان»؟!

وفي مقهى الحي الشعبي، تتصاعد الحوارات مع دخان «الأراكيل»، ويقول زاهر بحماسة إن الطليان عائدون، بينما يجد أيمن الفرصة سانحة أمام «برتغال رونالدو» كي تحقق اللقب، ويجيبه سامي «يمكن يلاقوا الألمان». ويتدخل وائل متحدياً «يا إخوان فرنسا بعدها طيبة احسبوا حسابها ولو!». ويحاضر هادي بثقة عالية وحاسمة قائلاً «ألمانيا هي الأقوى باليورو، ورح نهزم مين ماكان بالفينال». ويرتفع صوت يبدو محايداً «أنا شايف هولندا فوق الكل». ومن الحوارات المتداخلة تبقى حالة من «الترقب الحذر» يمكن ملاحظتها خصوصاً بين مناصري ألمانيا وإيطاليا، وهم الأكثر عدداً «على الأرض»، وما يمكن ملاحظته أيضاً، أن مناصري البرازيل أكثرهم يميلون عاطفياً إلى جانب البرتغال، فيما يعلنها زاهر صريحة «ياخيي أنا علناً ضد ألمانيا» ويغمز ليستفزّ مناصريها، فيصرخ الألماني جهاد «كلكن عالألمان، وحتى جماعة البرازيل كمان ضدنا»! إذن، تكتّل أكثريّ يواجه «مناصري ألمانيا»، ويمرّرها جهاد بنكهة سياسية «هيدا بيضل أحلى ألف مرة من الانقسامات والمواجهات بين جماعات الأحزاب بهالبلد»، ويردّ كامل النحيف بحسرة «خلّونا بالفَطبول ياجماعة وننسى الغلا والهموم المعيشية».
اذاً، هي فترة رياضية طويلة للترفيه والنسيان، ومقتطفات من لقطات وحوارات تجري حول بطولة أمم أوروبا، في جلسات طبقية مختلفة ولكنها توحّد شرائح من المجتمع الصابر، وجاءت في توقيت مناسب لتضيف جرعة من راحة للنفوس والقلوب. ورغم المشهد في صبيحة اليوم التالي أمام بعض محال التجمعات الكروية «قشور بزر ومرطبات على الرصيف» يبقى أفضل بكثير من مشهد بقايا رصاصات فارغة خلّفتها نزاعات هوجاء!