strong>لن تكون ليلة غد عادية في العاصمة النمسوية فيينا وملعبها الشهير «إرنست هابل»، لأن ألمانيا وإسبانيا ستعزفان السمفونية الأخيرة عندما تلتقيان الساعة 21.45 بتوقيت بيروت، في المباراة النهائية لكأس أوروبا 2008 لكرة القدم التي استضافتها النمسا وسويسرا منذ السابع من الشهر الحالي
شربل كريّم
عيون العاصمة الألمانية برلين ونظيرتها الاسبانية مدريد ستكون شاخصة نحو فيينا، المكان الذي قد ينصّب أحد بلديهما حاكماً للكرة الأوروبية خلال السنوات الأربع المقبلة، وسينتظر الملايين من الأشخاص لحظة صافرة نهاية لقاء القمة لتبدأ الاحتفالات في مكان وتذرف الدموع في أماكن أخرى.
سال الكثير من الحبر تحليلاً لأداء المنتخبين وأحقيتهما في الوصول إلى المباراة النهائية، لكن ما يمكن قوله أن بطولة أوروبا عادة لا تقدّم في ختامها إلا الفريقين الأفضل، ولو أن ألمانيا وحتى إسبانيا قدّمتا أداءً متفاوتاً بين مباراة وأخرى.
ومهما يكن من أمر، أظهرت البطولة أنه لا يمكن الحُكم على أداء أي منتخب إلا بعد الدقائق التسعين (أو الـ 120 في حالات التمديد) لكل مباراة، لا قبلها، فألمانيا التي تألقت أمام البرتغال، خطت إلى النهائي بصعوبة ضد تركيا، وإسبانيا التي عجزت عن هزّ الشباك الإيطالية سطّرت مهرجاناً تهديفياً آخر في مواجهة روسيا.
من هنا، تبدو المواجهة متكافئة منطقياً، ولو أن إسبانيا كانت أفضل هجوماً ودفاعاً من ألمانيا في هذه البطولة، أو إذا تطرّقنا إلى عامل الخبرة الذي يصبّ في مصلحة الألمان وتعوّضه حماسة اللاعبين الإسبان وحيويتهم، إضافة إلى أن نقاط القوة والضعف عند كل من الفريقين مختلفة.
وستلعب ألمانيا المباراة النهائية الأولى لها في البطولة القارية منذ 1996 عندما فازت على تشيكيا 2ـــــ1 بهدفٍ ذهبي، والسادسة بعد 1970 عندما فازت على الاتحاد السوفياتي 3 - 0، و1976 حيث خسرت أمام تشيكوسلوفاكيا بركلات الترجيح 3ـــــ5 (الوقتان الأصلي والأضافي 2ـــــ2)، و1980 عندما فازت على بلجيكا 2ـــــ1، و1992 عندما خسرت أمام الدنمارك
0 - 2، بينما تبلغها إسبانيا للمرة الثالثة في تاريخها بعد عام 1964 عندما أحرزت اللقب على حساب الاتحاد السوفياتي و1984 عندما خسرت أمام فرنسا المضيفة.
وتبرز نقاط القوة عند المنتخب الألماني في الاندفاع الهجومي الذي غالباً ما يعوّض تخلّف رجال المدرب يواكيم لوف في النتيجة، وذلك بقيادة الثنائي الشاب لوكاس بودولسكي وباستيان شفاينشتايغر، وهما سجلا معاً خمسة أهداف وسط تفاهمٍ تام بينهما برز بقوة في المباراتين أمام البرتغال وتركيا على التوالي، وتحوّل موسمهما المخيّب مع فريقهما بايرن ميونيخ إلى دافعٍ أساسي انعكس إيجاباً مع «المانشافت» في البطولة القارية.
وإلى جانب نقاط القوة الأخرى، القائد ميكايل بالاك وأحد أفضل لاعبي البطولة، فيليب لام وتورستن فرينغز، تبرز عند الألمان القوة البدنية التي يوليها لوف أهمية كبيرة، وخصوصاً بالنسبة إلى لاعبي الوسط الذين سيكونون في مباراة الغد بمواجهة بدنية غير متكافئة مع شافي هرنانديز وأندريس إينييستا ذوي القامة القصيرة. ومعلوم أنه قبل انطلاق البطولة، خضع كل لاعب لبرنامج لياقة مختلف عن الآخر يترافق وحالته البدنية بعد موسمٍ طويل بالنسبة إلى البعض، ما مكّنهم من اللعب بالوتيرة نفسها لمدة 90 دقيقة.
ويبقى الهمّ الأكبر الذي يقضّ مضاجع المشجعين الألمان هو الهفوات الدفاعية وسط افتقاد ثنائي قلب الدفاع بير مرتساكر وكريستوف ميتسلدر إلى التركيز، ما أدى إلى دخول 6 أهداف في 5 مباريات في شباك الحارس ينس ليمان الذي يبدو مهزوزاً أحياناً.
أما من الناحية الإسبانية، فإن المدرب العجوز لويس أراغونيس صبّ كل تركيزه على تدريب مجموعته على كيفية التعامل مع الكرات العالية، وهي نقطة الضعف الوحيدة التي ظهرت على الإسبان حتى الآن في البطولة، وقد عوّض هذا النقص تألق الحارس إيكر كاسياس الذي يبدو مصرّاً على تنصيب نفسه أفضل من يقف بين الخشبات الثلاث في العالم، وخصوصاً أن من ينافسه على هذا الموقع، أي الإيطالي جانلويجي بوفون قد خرج على يده بعد مواجهة ركلات الترجيح في ربع النهائي.
غياب دافيد فيا بسبب الإصابة سيكون مؤثراً سلباً من دون شك، وخصوصاً أن مهاجم فالنسيا صاحب «الهاتريك» الوحيد في البطولة التي يتصدّر ترتيب هدافيها، بدا شعلة نشاط وأراح كثيراً فرناندو توريس في خط المقدمة، وهما كانا ثنائياً متفاهماً ومرعباً في آنٍ معاً.
إلا أن الشغل الهجومي لا يقوم به الاثنان فقط، إذ إن مؤازرة لاعبي الوسط الذين يتمتعون بنزعة هجومية أكثر منها دفاعية (باستثناء ماركوس سينا) وتحديداً شافي وإينييستا ودافيد سيلفا صنعت الفارق أيضاً، من دون إسقاط الدور الكبير الذي يؤديه «الورقة الرابحة» سيسك فابريغاس ونجاح هداف الدوري الإسباني دانيال غويزا في فرض نفسه مسجلاً هدفين في مرمى اليونان وروسيا.
إذاً ستكون خبرة «الماكينات الألمانية» في مواجهة حيوية «الماتادور» الإسباني الذي روّض جميع منافسيه حتى الآن بثبات ومن دون يأس، وهي موقعة يراها البعض الفرصة الأخيرة بالنسبة إلى بعض اللاعبين الألمان، وخصوصاً أولئك الذين خسروا المباراة النهائية في مونديال 2002، أمثال ميتسلدر وفرينغز وكلوزه وبالاك، علماً بأن الأخير الذي وجد الخيبة دائماً على العتبة الأخيرة (خسر نهائي دوري الأبطال في 2002 و2008 أيضاً) لم يشارك عامذاك بسبب الإيقاف.
أما الإسبان فيهمّهم كثيراً إثبات نفسهم على المستوى الدولي، إذ وصفوا دائماً بـ«الحصان الأسود» قبل كل بطولة، ثم وجدوا أنفسهم أمام حائط مسدود في النهاية. كما أن رجال «الليغا» يتطلّعون للارتقاء إلى مستوى بطولتهم المحلية التي يراها كثيرون الأفضل في العالم من دون أن تنعكس هذه القوة على «لا روخا».