تعدّ بطولة العالم لسباقات سيارات الفورمولا 1 أشبه بمعركة دائمة على السيادة حيث تتبارى الفرق للحصول على أكبر عدد من المموّلين وأفضل التقنيات، إذ بهدف الفوز يطمح كل فريق إلى أن يحصل على أفضل سيارة وأفضل مهندس، فإن غابت أفضل المقوّمات ستصبح الانتصارات بعيدة المنال
لا يختلف اثنان على أنه في ثقافة الفئة الأولى يبرز عنصر المال أساساً لصنع نجوم المستقبل وتحقيق الفريق أفضلية على غيره، كما أنه معلوم أن هذه الرياضة تدرّ أموالاً طائلة يتردّد أن مردودها 3 مليارات دولار سنوياً، بيد أن الفرق المتنافسة تصرف بدورها أموالاً طائلة لإحراز التقدّم دون سواه.
وتتخطى المنافسة أطر الحلبات، إذ يتبارى أفضل مهندسي العالم لتسجيل تقدّم يقاس بأعشار الثواني، وسط بقاء تقنياتهم المعتمدة طيّ الكتمان على غرار المشاريع الحربية العسكرية.
ومما لا شك فيه أن الفرق البريطانية تواصل طبع بصمتها علىالفورمولا 1 منذ 40 عاماً تقريباً، فيما يبقى فريق فيراري الإيطالي الوحيد الذي حافظ على مستوى نجاحاته واستطاع مجاراة الإنكليز أصحاب الريادة في الرياضة الميكانيكية. ويقول الصحافي البريطاني ألن هندري من مجلة «اوتوكار» إن ضراوة المنافسة في الفورمولا 1 تضاهي أعنف الحروب، لكن الحروب هنا تقنية بامتياز، ويسعى خلالها البريطانيون إلى المحافظة على الإرث وتأكيد أنهم الأفضل.
لكن التاريخ يقول إن الفرق البريطانية لم تكن دائماً هي الأفضل، إذ أدخلت فرق الثلاثينات الألمانية التاريخية مبدأ الاحتراف إلى رياضة كانت تجذب الهواة، فتحوّلت «مرسيدس بنز» فخر ألمانيا التي كانت خاضعة وقتذاك لحكم أدولف هتلر، حيث كان هاجس «الرايخ» الثالث أن يثبت للجميع أن الأمة الألمانية هي الأفضل في كل شيء، وقد سنحت له الفرصة لإظهار تفوّق الهندسة الألمانية وتنظيمها وإدارتها.
طوال عامي 1938 و1939 قدّم الألمان عروضاً رائعة وضخمة وسط سرعة غير مسبوقة قتلت المنافسة كلياً، إذ سبقت سيارات مرسيدس منافساتها بفارق 5 دقائق!
وكانت سيارة «مرسيدس 154 دبليو» تكتسح المنافسين عام 1938، إلا أن هذا النجاح التقني كان عائداً إلى براعة المهندس اللامع ألفريد نيوباور مدير الفريق، إذ خلال الحرب العالمية الأولى نظّم وحدات مدفعية جديدة مزوّدة بمحركات في الجيش النمسوي، وقد طوّر مع سيارات «السهم الفضي» طريقة تواصل عبر إشارات اليد والأعلام ليزود سائقيه بمعلومات خلال السباق.
إذاً قبل 70 عاماً قام نيوباور بابتكار ما يسمى وقفة التزود بالوقود وتبديل الإطارات التي تستغرق اليوم سبع أو ثماني ثوان، وكانت وقتذاك أبطأ لكن هذا الأمر لم يخلق مشكلة لمرسيدس التي اعتادت التقدّم على سيارات «ألفا روميو» منافستها الأساسية مثلاً بفارق 13 دقيقة. إلا أن المعطيات انقلبت رأساً على عقب بعدها، إذ في نظر مرسيدس بنز وأوروبا أدت طموحات هتلر التوسعية إلى توقيف سباقات «الغران بري» بعد عام 1938، لكن هذا لم يمنع فريق «السهم الفضي» من إظهار تميّزه من دون أن يستطيع أحد مجاراته.
(أ ف ب)