strong>كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، فهمنا، وفي لبنان أيضاً، رغم خفوت بريقها وجماهيرها في الملاعب، إذ توجَّه هواتها أكثر إلى الكرة الأوروبية، وخصوصاً عبر الشاشات، وتعلّق هواتها في لبنان بفرقها ونجومها وألوانها، حتى الأولاد حسن زين الدين
ويبدأ عشق الرياضة من الطفولة، حيث يغرس الإعجاب ويصير النجم مثالاً فينطلق الانتماء وتُعلّق الصور...
يبتسم موسى (11 عاماً، طالب) لدى سؤاله عن فريقه الكروي المفضل فيجيب بحماسة: «أكيد ميلان». معلومات موسى لا تقتصر على الميلان، بل يدهشك بكمّ المعلومات التي بدأ يحفظها منذ بطولة كأس العالم الأخيرة 2006 ويقول: «بتابع كتير الفوتبول الأوروبي على التلفزيون والجريدة والإنترنت كمان». وعن الكرة المحلية؟ «لا، لا أتابعها إلا نادراً، ولا أعرف الكثير عنها». ويحرص موسى على التفوق في دراسته، كي لا تحرمه والدته هوايته المفضلة، لكن أكثر ما يحزنه هو عدم تمكنه من متابعة مباريات دوري أبطال أوروبا في ليالي منتصف الأسبوع، لتزامنها مع فترة نومه.
في أحد المجمّعات الرياضية، مجموعة من الفتية يلعبون الكرة، هنا قد تجد ما تطلبه من فانيلات الأندية الأوروبية التي يرتديها هؤلاء، لكن أكثر ما يلفت الانتباه، هو فتى يرتدي قميص اللاعب رونالدينيو، شادي (12 عاماً)، والمهارات التي يؤديها أثناء تلاعبه بالكرة، تظهر كأنه قد تقمّص شخصية ذاك النجم البرازيلي، فهو يحرص على متابعة مبارياته، ويحاول تعلم حركاته قدر إمكاناته، ويحلم «يا ريت بلتقي برونالدينيو، أو عالقليلي أحضر مباراة له في ملعب برشلونة ــ نو كامب».
وهنا جاد (13 عاماً)، لا يفوّت أي مباراة لنادي برشلونة الإسباني، ويعلّل عوامل جذبه إليه قائلاً: «شو بدك أحلى من رونالدينيو وهنري وإيتو وميسّي؟».
وجاد يقلد ميسّي، حتى في تسريحة شعره، ولكن وسيم صديقه (12 عاماً) يعارضه، فهو يشجع ريال مدريد، الغريم التاريخي لبرشلونة، ويعدد وسيم نجوم فريقه: «عندك راوول ونستلروي وروبينيو، والدوري إلنا، شو بدك بعد؟». ويشتد الحوار بينهما، فيلجأ وسيم إلى أن «يزرك» صديقه بسؤال ملغوم: «بس شو عملتو معنا بآخر ماتش؟» (يقصد خسارة برشلونة 0ــ1). عندها يوضح جاد مرتبكاً: «إيه بس بذكّرك إنو ميسّي ما لعب». ويتبدل الرأي بين الصديقين لدى سؤالهما عن كرة لبنان ومبارياتها فيردان بلا مبالاة على عدم متابعتها.
ملاعب النوم
«الولد سر أبيه». قد ينطبق هذا القول على سامر وفادي، لكن إذا ما استبدلنا كلمة «أبيه» «بأخيه»، فبعدما كانت غرفة نوم سامر (21 عاماً) مزدانة بصور وبوسترات نجوم منتخب ألمانيا السابقين، ماتيوس وكلينسمان وبيرهوف، ها هو غزو الصور يمتد إلى الحائط المقابل، حيث موقع سرير فادي (11 عاماً) وقد علته صور نجوم ألمانيا الحاليين بالاك وكلوزه وبودولسكي. ويفتخر سامر بأنه «شرّب» شقيقه حب ألمانيا منذ الصغر، فيما أصبح أصدقاء فادي ينادونه «بالاك»، لكثرة تعلقه بهذا النجم!
.. إلّا لبنانية!
وفي جولة لنا على بعض متاجر الألبسة الرياضية في بيروت، أجمع أصحابها على أن نسبة عالية من الفتية يبتاعون فانيلات نجوم الكرة الأوروبية، فيما يقلّ الطلب، أو ينعدم أحياناً، على الفانيلات اللبنانية، أو حتى السؤال عنها. ويلاحظ هذا أيضاً من خلال جولة على بعض المجمّعات الرياضية، حيث يمارس الفتية لعبة كرة القدم.
ولا يقتصر الأمر على الفانيلات، بل إن اكسسوارات رياضية أخرى كالشالات والقبعات والحقائب تجذب الأطفال، لمجرد أنها تحمل شعارات أندية أوروبية. إضافة إلى ذلك، ينبغي الإشارة إلى غياب ظاهرة، كانت تزيِّن الأزقة والشوارع والشرفات، وتتمثل بأعلام الأندية اللبنانية التي كانت تجذب الفتية وتثير فضولهم، بيد أنها استُبدلت بها أخيراً أعلام حزبية منوعة وتحولت معها الانقسامات الرياضية إلى سياسية! لكن اللافت في الأمر، أن بطولة خارجية ككأس العالم مثلاً، تستطيع توحيد مشهد الشارع الكروي من جديد، فيتبارى الصغار والكبار على شراء أعلام ألمانيا والبرازيل وإيطاليا وغيرها.
لا ريب في أن طيف رونالدينيو، ميسّي وبالاك وغيرهم، سيظل يداعب أحلام الفتية في لبنان، كيف لا، ما دام هؤلاء النجوم أيضاً، يمثلون رموزاً وأحلاماً وقدوة للاعبينا وكرتنا، حتى إشعار آخر، أما لعبتنا ونجومها فلا حاضر ولا مستقبل.