يعود البعض الآن إلى نغمة إمكان اقتحام الملل لحلبات سباقات سيارات الفورمولا 1 في موسم 2008 وسط التوقعات كلّها التي تشير إلى عدم خروج المنافسة عن دائرة فيراري وماكلارين مرسيدس، حيث ستكون الفرق الأخرى بعيدة كل البعد عن المستوى الذي بلغه بطل الموسم الماضي ووصيفه من النواحي التقنية أو من ناحية الإمكانات الموجودة لسائقيها من أجل الخروج بأفضل النتائج الممكنة.صحيح أن فيراري وماكلارين يلعبان الدور الأكبر حالياً في الفورمولا 1، وأن المنافسة الثنائية بينهما متوقعة مجدداً، لكن هذا لا يسقط حضور الإثارة والتشويق بقوة إلى المراحل المختلفة للبطولة التي ستكون متجدّدة من نواحٍ عدة، وخصوصاً بعد حدوث تغييرات في ما يخص السائقين والفرق وحتى الفنيين.

حلبات جديدة تقتحم الروزنامة العالمية

لا شك في أن أكثر ما سيلفت الأنظار ويثير حشرية حتى أولئك الذين لا يهتمّون بالفورمولا 1، هو تنظيم أول سباق ليلي في تاريخ البطولة في سنغافورة التي يتوقع أن تحتضن أكثر «سباقات الشوارع» اثارة على حلبة أشبه بتلك الموجودة في موناكو.
ضيفة أخرى سيرحّب بها عالم السرعة القصوى في 2008، وهي حلبة فالنسيا الإسبانية التي ستستضيف جائزة اوروبا الكبرى بعد نجاح مالك الحقوق التجارية للبطولة بيرني ايكليستون في محاولته لإدخالها الروزنامة العالمية بالنظر إلى جودة المكان التي تتواجد فيه، وهو أشبه بإمارة موناكو حيث يضع الاغنياء يخوتهم الخاصة، وهو ما يفتح أبواباً أوسع نحو استثمارات جديدة في بطولة أقل ما يمكن القول إنه بقدر ما تستثمر فيها يمكنك جني أموال أكثر.
وسيكون انعكاس وجود سباق اسباني إضافي دفعة قوية لبلدٍ لم يُعر اهتماماً حقيقياً للفورمولا 1 قبل إحراز البطل المحلي فرناندو ألونسو لقبه الأول في 2005، وهو ما رفع من نسبة المشاهدين الإسبان للسباقات الذين تجاهلوا لفترة طويلة وجود ممثلين لهم في البطولة طوال الفترة القريبة الماضية (أمثال مارك جينيه وبدرو دي لا روزا).
وبالفعل ستتمكن إسبانيا عبر سباقي برشلونة وفالنسيا من تقديم براهين إضافية على جدّيتها في اقتحام عالم كبار الرياضة الميكانيكية في أوروبا امثال ألمانيا وبريطانيا اللتين لطالما مثلتا العراقة في الفئة الأولى، وخصوصاً الاخيرة التي تقف في موقفٍ حرج على اعتبار وجود الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة حلبة سيلفرستون على مجاراة التطور الذي أصاب الحلبات العالمية الأخرى وطموح حلبات جديدة في الحصول على شرف استضافة إحدى الجولات.

منع استعمال جهاز التحكم بالتماسك

لن تكون الحوادث غائبة عن الحلبات وخصوصاً تلك التي ستكون رطبة ومبللة بمياه الأمطار، إذ إن فرص فقدان السائقين سيطرتهم على السيارات ستزداد هذه السنة مع القوانين الإلكترونية الجديدة المفروضة، وأبرزها منع استعمال جهاز التحكم بالتماسك وعدم الاعتماد على تقنية المساعد الإلكتروني. ورغم أهمية القرار الذي اتخذه الاتحاد الدولي لرياضة السيارات «فيا»، فإنه يمثّل خطراً أكبر على السائقين وسط المطالبة الدائمة بتعزيز إجراءات السلامة، إذ إنه من دون جهاز التحكم بالتماسك سيكون السائقون أمام اختبار حقيقي عند الخروج من المنعطفات، وهو ما قد يفقدهم في أحيانٍ كثيرة السيطرة على سياراتهم، علماً بأنه يمكن اعتبار أن هذا القرار سيعيد الفئة الأولى أعواماً عدة إلى الوراء، مع الإشارة إلى أن محرك العشر اسطوانات المعتمد سابقاً (8 اسطوانات حالياً) كان يساعد على المزيد من التحكم من خلال علبة السرعات، وهو الأمر الذي يبدو أصعب حالياً مع النوع المعتمد من المحركات.
الا أنه لا بد من الإشارة إلى أن غياب جهاز التحكم بالتماسك سيعطي أفضلية إلى أولئك السائقين الذين يعتمدون القيادة الحذرة بمهارة عند المنعطفات، امثال سائق هوندا البريطاني جنسون باتون.

روس براون يتحدّى نفسه

مع إدخال هذه التعديلات كان لا بد من عودة المدير التقني المعروف روس براون إلى الرياضة لخوض تحدٍّ جديد، لكن هذه المرة مع هوندا الباحث عن الطريق إلى المجد بدلاً من فيراري الذي ارتبط اسمه بالإنجازات، إذ لم يفكر البريطاني في العودة الى حظيرة «الحصان الجامح» حيث تبدو الأمور مهيأة للنجاح، مفضلاً الكثير من العمل مع الفريق الياباني للحاق بفرق المقدمة.

«نيلسينيو» يفجّر موهبته؟

وإذا كانت عودة ألونسو لولاية ثانية الى رينو الفرنسي الأبرز في سوق انتقالات السائقين، فإن الحديث الواسع يدور حول زميله الجديد البرازيلي نيلسون بيكيت جونيور، وقد فاق الاهتمام بهذا الشاب السريع دخول سائق ماكلارين البريطاني لويس هاميلتون للفورمولا 1 العام الماضي. ويراهن كثيرون الآن على أن بيكيت جونيور، نجل بطل العالم السابق، سيخلق هموماً عند «الماتادور» الاسباني ليضيف اسمه إلى هاميلتون والألماني نيكو روزبرغ (نجل بطل عالم آخر) أحد ابرز المواهب التي ستطبع البطولة بطابعها الخاص في الفترة المقبلة، لكن لا ينبغي إغفال أن شخصية «نيلسينيو» القوية والثائرة قد تفرض على رينو نسيان لقبي ألونسو ومعاملة البرازيلي بالمساواة مع نظيره الاسباني، والا فسيتكرر سيناريو 2007 الذي شهد خلافاً داخلياً غير مسبوق بين الإسباني وزميله البريطاني في ماكلارين.
وبانتظار إطلاق السيارات العنان لمحركاتها في 16 آذار المقبل في جائزة اوستراليا الكبرى على حلبة ملبورن، يبقى الباب مفتوحاً امام دخول عناصر اخرى قد تضفي المزيد من التشويق على رياضة اعتنقت مبادئ الإثارة دون سواها.
(أ ف ب)