شربل كريّم
«عندما تابعت المشاهد التلفزيونية لأحداث الشغب في محيط الملعب شعرت بأنني أعيش في لبنان، لا في إيطاليا». هذا ما جاهر به حارس مرمى فريق باليرمو ألبرتو فونتانا تعليقاً على الأحداث المأساوية التي تخللت وأعقبت «دربي» صقلية بين باليرمو وكاتانيا، وأدت إلى مقتل شرطي برمي قنبلة منزلية الصنع على سيارته عند المواجهات الدموية بين جماهير الفريقين.
للأسف لا يمكننا الشعور بالسعادة عند ذكر اسم بلادنا في سياقٍ مماثل، بل لشعرنا بالفخر لو تساوى لبنان كروياً مع إيطاليا مثلاً أو بلغ أحد اللاعبين اللبنانيين مستوى مشابهاً لأولئك النجوم الطليان الذين ظفروا بلقب كأس العالم 2006. لكن ما يثير الخيبة في النفس أن بلاد الأرز أضحت مرجعاً لوصف صورة أفظع المشاهد بحسب نظرة الأوروبيين لها، ولم يكن تصريح فونتانا ناتجاً إلا من متابعته لمشاهد أحداث بيروت قبل أسابيع التي كان مسرحها محيط ملعبي بيروت البلدي ومدينة كميل شمعون الرياضية!
ويأتيك أحد الفكهاء بالقول إنه تساوينا لمرة واحدة على الأقل مع إيطاليا في شيء، والمقصود هنا أن بعض مباريات الـ «سيري آ» أصبحت تفتقر إلى العنصر الجماهيري على غرار مبارياتنا المحلية خوفاً من «حرب الملاعب»، لكن مما لا شك فيه أنه وسط ما اعتبر أزمة عامة هزّت إيطاليا كلها، كان يجب التوقف عند ردّة الفعل المسؤولة وطريقة إعلان حال الطوارئ وطرح حلول جذرية، وهو الأمر الذي أثنى عليه رئيس الاتحاد الأوروبي المنتخب حديثاً الفرنسي ميشال بلاتيني، ضمن إطار أن العالم يجب أن يأخذ عبرة من العمل الاستثنائي الذي قامت به الحكومة الإيطالية لوقف «فيروس» العنف المرجح انتشاره في ملاعبها...
وأياً يكن من أمر، فإنه مما لا شك فيه أن عِبَر «السلام الكروي» والنزاهة في ميادين اللعبة لا يمكن أبداً نسبها إلى الكرة الإيطالية المتخبطة بالأزمات المتعاقبة، حتى أصبح معلوماً مدى شدّة السواد المحيط بصورة بلاد «الكالتشيو»، والدليل المشهد «المافيوي» الذي تلا «دربي» صقلية، وكأن الأمر أشبه بأحد أفلام روبرت دي نيرو أو تلك المتعلقة بقصص الجريمة المنظّمة، وخصوصاً بعدما اتضح أن فئة من الجماهير تعمّدت التهجم على رجال الشرطة.
ويقيناً فإن هذه الهزة تفسّر نوعاً ما توجه المستثمرين نحو الكرة الإنكليزية وأنديتها بعدما كانت إيطاليا الدائرة الأساسية لنشاطات رجال الأعمال، وقد جاءت أحداث الشغب لتدقّ مسماراً آخر في نعش الكرة الإيطالية التي لم تستفق بعد حتى اليوم من وقع صدمة فضيحة التلاعب بنتائج المباريات التي ضلعت بها أبرز الأندية العريقة، قبل أن يعلن أن ناديي ميلان وجاره إنتر ميلان تحت مجهر التحقيقات لتلاعبهما بحساباتهما المالية وقيامهما بعمليات مشبوهة. ولا يخفى أنه قبل هذه الأحداث قضى يوفنتوس أياماً عصيبة في المحاكم بقضايا منشطات، وترجمت التصرفات «المافيوية» عبر تردد أن رئيس الإنتر ماسيمو موراتي تنصّت على بعض الحكام واللاعبين!
قلنا سابقاً إن الـ«سيري آ» يبدأ في المحاكم وينتهي على المستطيل الأخضر، لكن يتضح اليوم غياب الدقة في هذا القول لأن جولات قضائية ماراتونية في طريقها لمنافسة مراحل البطولة الإيطالية وتسطير فصل أسود جديد في قصة «مفهوم إيطاليا لكرة القدم».