شربل كريّم
مع بداية كل موسم كروي اوروبي، يدور جدال تقليدي مع أصدقاء شغوفين باللعبة الشعبية الاولى في العالم حول أي من البطولات المحلية يمكن أن تجذب الاهتمام والمتابعة دون تفويت أي لحظة منها. وبالطبع تتجه أكثرية الآراء نحو البطولات التي تحوي الاسماء الكبرى حيث دفعت انديتها العريقة اكبر المبالغ المالية لاستقطاب هؤلاء، وخصوصاً في اسبانيا وإنكلترا وإيطاليا.
من ناحية مهنية، أتطلع دائماً لمتابعة أخبار جميع البطولات دون استثناء ومن دون تفضيل واحدةٍ على أخرى، لكن من ناحية ثانية أجد نفسي محطّ انتقادات تلك الاكثرية لإصراري على إعطاء الدوري الالماني حقّه بقدر البطولات الاخرى، مع سؤالٍ مترافق «هل لا يزال احد في العالم يهتم بمباريات البوندسليغه؟».
لا أريد عرض الأسباب التقليدية مثل الحضور الجماهيري الكبير والاهداف الغزيرة والمنافسة حتى المرحلة الاخيرة (مثلما جرت العادة في المواسم القريبة الماضية)، لأبرز مميزات «البوندسليغه»، لأن هناك اسباباً ايديولوجية غير موجودة في بلدان اخرى تجعل بطولة المانيا علامة فارقة بين البطولات الخمس الكبرى في القارة العجوز.
نعم هناك أسباب ايديولوجية، وقد لمستها في زيارتي الى ألمانيا عند الصحافيين الالمان والجمهور المحلي (مشجعي هامبورغ وهيرتا برلين تحديداً) وبعض القيّمين الذين قابلتهم عن طريق الصدفة.
اهم الاسباب التي تفرض احترام الأندية الالمانية ومسابقاتها، أن المانيا الآن البلد الوحيد بين أقرانها الكبار في الكرة الاوروبية التي لا تزال تخوض المعركة ضد «الامبريالية التجارية» التي غزت البطولات الاخرى وجعلت الفرق واللاعبين «ماركة مسجلة»، والمثال الابرز على هذا الامر استمرار رفض بايرن ميونيخ ركوب قطار دفع الأجور العالية للاعبين النجوم، وقد كلّفه هذا الموقف غيابه عن دوري الابطال هذا الموسم.
ألمانيا ايضاً هي المكان الأخير حيث لا يعامل الجمهور كأنه زبون في محل تجاري (مثلما هي الحال في مدريد أو مانشستر مثلاً)، اضافةً الى أنه في إمكان المشجعين رفع اصواتهم وتكون مسموعة عند المسؤولين الذين يراعون مصلحة هؤلاء دون أي اعتبارات للأرباح المالية.
فإذا أخذنا مثلاً بوروسيا دورتموند الاكثر استقطاباً للجماهير في ملعبه «فيستفالن»، نجد أن سعر البطاقة الموسمية يبلغ 150 يورو فقط، فيما معدل حضور مباراة واحدة في الدوري الانكليزي يساوي 45 يورو وفي الاسباني 30 يورو!
ولطالما ربح المشجعون الالمان قضاياهم بمساندة الاتحاد المحلي تحديداً، وذلك على غرار ما حدث عام 1994 عندما فرض الاتحاد الاوروبي قانوناً يقضي بتواجد جميع المتفرجين جلوساً في مدرجات الملاعب الاوروبية، فسيّر الالمان تظاهرات خلصت الى حصول اتحاد بلاهم على استثناء من «الويفا». كذلك يعقد الأخير اجتماعات دورية مع رابطات جماهير 50 نادياً على الاقل للاطلاع على مطالبها، وهذه خطوة لا يمكن مجرد التفكير بها في بلدان اوروبية اخرى رغم الاحداث العنيفة والعنصرية التي تعصف بملاعبها.
كرة القدم للشعب، والاندية للشعب. هذه هي حال المستديرة في المانيا، وتسأل يا صديقي عن سبب تعلّقي بمباريات «البوندسليغه»؟