strong>شربل كريّم
التصقت صفة «الخائن الأكبر» في كرة القدم الاسبانية بالألماني برند شوستر، وهذا أمر طبيعي يعرفه الجميع لكون الأخير تنقل بين أكثر الأندية عداءً لبعضها في إسبانيا، إذ بعد مجيئه عام 1980 للدفاع عن العملاق الكاتالوني برشلونة، انتقل إلى العدو الأزلي ريال مدريد في 1988، ومنه إلى الغريم التقليدي في العاصمة أتلتيكو مدريد.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الصفة الملتصقة بشوستر عادت لتتناقل على الشفاه مرة أخرى. كما أن العبارات القاسية التي أنزلت به عند حمله قميص ريال مدريد للمرة الأولى وردت من جديد على ألسنة المنتقدين لخطوة خيانته الثانية بالعودة إلى الفريق الملكي والوقوف أمام عدسات المصورين، مستعرضاً القميص الأبيض الشهير. وإذ يعتقد البعض أن الزمن قد أزال مسألة انتقال شوستر المثير للجدل من «البرسا» إلى «الريال»، فإن الأمر اليقين هو أن المشكلة أكبر هذه المرّة بالنسبة إلى أولئك الكاتالونيين الذين يشيرون بأصابع الاتهام إلى الألماني لكون الأخير سيجلس على مقاعد ملعب «سانتياغو برنابيو» الخاص بريال مدريد، وهو يحتفظ بمقعده في ملعب «نو كامب» الخاص ببرشلونة!
نعم، فالحقيقة الملموسة أن شوستر حالياً عضو رسمي في برشلونة وتحمل بطاقته الرقم 115.088.
هذه النقطة أو المشكلة في نظر بعض المدريديين، لا شك في أنها ستجذب الكثير من صافرات الاستهجان الكاتالونية وتضيف المزيد من العداء إلى مباراتي قطبي الكرة الإسبانية في الموسم الجديد. كما أنها ستجلب تجربةً جديدة إلى النادي الملكي يتوقع البعض انعاكاسها إيجاباً ويتربّص البعض الآخر منتظراً فرصة أي هفوة يقوم بها المدرب للانقضاض عليه واتهامه بالخيانة العظمى.
أما شوستر فقد بدا منفتحاً على الموضوع وغير منزعج من الأقاويل المترددة في الشارع الكروي الإسباني، إذ رأى أن دفاعه عن ألوان برشلونة كان من الفترات المهمة والبارزة في حياته الشخصية ومسيرته الكروية على حدّ سواء، موضحاً: «الآن أتطلع إلى المستقبل، وأرغب في أن أكون عضواً مع جميع الفرق التي لعبت معها سابقاً». وكان رئيس النادي الكاتالوني جوان لابورتا قد أقدم على خطوة لافتة عند إحداثه ثورة تجديد في برشلونة قادته إلى لقبي الدوري مرتين في المواسم الثلاثة الأخيرة، إذ عمد في 2004 إلى استقطاب أبرز الوجوه التي مرّت في تاريخ النادي ليكونوا أعضاء ضمنه، في خطوةٍ غير مسبوقة ولافتة في آنٍ، وقد أسهم شوستر نفسه طوال الأعوام الثلاثة الماضية في الصفقات التي قام بها «البرسا» لاستقطاب لاعبين جدد!
وفي موازاة تقدير برشلونة للمجهود الذي قدّمه شوستر له (سجل 63 هدفاً في 170 مباراة)، فإن ريال مدريد اتخذ بتعيينه مدرباً له موقفاً مشابهاً إلى حدّ ما، حيث بدا أن رئيس نادي العاصمة رامون كالديرون تأثر بحضور لاعب الوسط الموهوب سابقاً مع ريال ومساهمته الأساسية في خطف اللقب المحلي عامي 1989 و1990، فأصرّ على تعيينه مكان الإيطالي فابيو كابيللو رغم نجاح الأخير في إعادة اللقب إلى أبناء العاصمة. كما لعب كالديرون ورقة الرجل الذي سيكون حاملاً بطاقة برشلونة مع أوراقه الشخصية أينما ذهب مع ريال مدريد في الموسم المقبل، آملاً أن يدير حملة التجديد لتكريس سيطرة فعلية من دون منافس حقيقي، وخصوصاً أن إحراز ريال للقب هذه السنة لم يمنحه الهالة التقليدية للبطل بالنظر إلى فترات الصعود والهبوط في المستوى التي مرّ بها...
وإذ يعتبر ارتباط شوستر بالنادي الكاتالوني وثيقاً، فإن ما بدر منه من تصريحات نارية تجاه ناديه السابق خلال الدور نصف النهائي لمسابقة الكأس المحلية بين خيتافي وبرشلونة، لم يكن ناتجاً إلا من الشخصية العفوية والثورية للرجل الذي سبق له أن أهان جمهور ريال وبرشلونة خلال أيامه لاعباً مع الثاني، إذ توجّه بحركةٍ نابية إلى جماهير الـ«ميرينغيز» خلال لقاء الفريقين في مسابقة الكأس عام 1983، وكرّر الأمر تجاه جمهور فريقه رداً على صافرات الاستهجان التي قام بها هؤلاء تجاهه في موسم 1986ـــــ 1987.
ويمكن القول إن ريال يحتاج حالياً إلى مدربٍ على صورة شوستر يكون قادراً على ضبط غرفة الملابس التي تعجّ باللاعبين النجوم والوافدين الشبان أصحاب الحماسة المتهوّرة أحياناً، التي خبرها بنفسه عندما صعق الكرة الألمانية بإعلانه الاعتزال دولياً في الـ23 من عمره بعد مشكلة مع القيّمين على «المانشافت».
وعموماً، فإن ما يفترض القيام به فعلياً من جمهوري ريال مدريد وبرشلونة هو التصفيق والتهليل بشدّة عند دخول الألماني لأحد معقلي الفريقين، لكونه خدم ألوانهما بإخلاص، ويتجه اليوم إلى إضفاء فصلٍ جديد على قصة منافستهما الأزلية من دون أن يكشف حبه لطرفٍ على حساب آخر ليعطي رسالة محورها أن حب نادٍ معيّن يجب أن لا يعكس كراهية لنادٍ آخر، وذلك على غرار رسالة فيلم « غلوري رود» المقتبس عن قصة حقيقية، حيث بدّل مدرب كرة السلة دون هاسكينز عام 1966 نظرة الأميركيين إلى اللاعبين السود بجعلهم عماد فريق جامعة تكساس وسترن «ماينرز» الفائز بلقب بطولة الجامعات رغم المعاناة العنصرية التي واجهها أفراده من المجتمع والمنافسين والمشجعين على حدٍّ سواء.