علي صفا
«نحن أبطال العالم في مسابقة الرمي، يللي مش عارف يعرف ويعترف! كيف؟ تفضلوا».
عندنا ملوك الرمي، في السياسة والأمن والرياضة وسائر الألعاب. في الحوارات والحكومة والمصائب والاتحادات. نحن نرمي المسؤوليات إلى أبعد المسافات، لنسجل أرقاماً قياسية...ولكن مش نحن!
كنا بلد الضيافة والريادة والسعادة، في تنظيم البطولات بكل ألوانها الوطنية والإعلامية والرياضية، فحولها البعض إلى سباق داخلي في «الرماية»... على أطراف الوطن. عندنا شعارات شهيرة يستعملها البعض ساعة يشاء، ثم فجأة يرمي بها الآخرين ساعة يريد وكيفما يريد وعلى من يريد. يرميها ويرفع يديه عالياً بشارة النصر.
مثلاً: في اتحادات الرياضة، يختلف الأطراف في ما بينهم، شخصياً على بنود داخلية، فيلجأ طرف ليرمي مسؤولية الخلاف والعجز على الآخر، مع أن الكل مسؤول.
في الملاعب، تبرز شلة شغب، أمام الجميع، فيتنصل المسؤول من مسؤولياته ويرميها على الآخر سياسياً أو طائفياً أو حزبياً...
وفي السياسة، لا علاقة للمجرم ولا للسارق ولا للوصولي ولا لمجلس الوزراء ولا للسلطات والحكم في ما وصل إليه البلد، بل يرمون كل هذا على الشريف والمضحّي والمخلص والمقاوم رماية ملفقة إلى أبعد المسافات عن الحقائق والأخلاق.
في السيادة، نشن حروباً على بعضنا، ثم نرميها على الآخر الغريب. وعندما يشن العدوّ الغريب حرباً على الوطن «يرمي» هذا البعض مسؤوليتها على شريكه الآخر في الوطن.
وفي الأمن، يصطاد القتل ضحايا بكل الأشكال، فيهرب المسؤول ويرمي التّهم إلى كل الاتجاهات. ونصطاد شبكة مخابرات عدوة قاتلة مع أسلحتها فيغطي المسؤول أخبارها ويرميها في البئر المجهول.
وفي الاحتجاج، يتظاهر البعض فيشتم ويحطم ويسقط حكومة، ويقيم أخرى فيسميها « ثورة» وعندما يتظاهر الآخر يرمونه بتهم الفوضى و«الانقلاب»... وفي الوحدة الوطنية، نتغنى بشعب واحد «إسلام ومسيحية»، ضد الغريب، وعندما يتحالف طرف مسيحي مع آخر مسلم وطني يرمونه بالخيانة للدين والوطن.
في القرار الحر، «نحنا لبنانيي مع بعضنا ضد الغربا ما عدا فيلتمان ورايس وبولتون والبوش، هودي حلفا»!
وفي الاقتصاد، نكدّس المليارات ديوناً، ثم نرمي المسؤولية على الآخر الذي لم يشارك في الهدر والسرقة!
وهكذا في الرياضة واتحاداتها، يختلف الأطراف شخصياً على أبسط المسائل، فيتعطل العمل ويرمي طرف المسؤولية على آخر.
وهكذا نظل نرمي ونرمي ونرمي إلى أبعد مسافات الكذب، «مش نحنا بل هم» لذلك حلال عليهم أكبر ميدالية ذهبية في رماية النفاق الوطني.