شربل كريّم
أخذت سنة 2006 طابعاً عالمياً صرفاً بعدما حفلت بالأحداث العالمية على صعيد الالعاب الجماعية، لعل ابرزها نهائيات كأس العالم الـ 18 لكرة القدم التي استضافتها المانيا وفازت بلقبها ايطاليا الصيف الماضي، ونهائيات كأس العالم في كرة السلة التي احتضنتها القارة الآسيوية عبر اليابان حيث ذهب اللقب الى اسبانيا.
وبقدر ما قرّبت هذه السنة التي تتساقط اوراقها الاخيرة عن روزناماتنا، المسافات بين الدول المتباعدة جغرافياً لتبدو كلّ من البطولات المذكورة اشبه بـ“القرية العالمية”، كانت 2006 السنة التي ذرف فيها الابطال الدموع فرحاً وخيبةً ووداعاً، وقد تبدو العبارة الأخيرة الأهم لأن الأشهر الـ 12 الماضية مثّلت محطاتٍ ختامية لبعض النجوم الرياضيين الذين ودّعوا الملاعب تاركين بصماتٍ اسطورية لا تنسى على الاطلاق.
ألمانيا محطّ أنظار الكرة الأرضية
لم يكد الاسبوع الاول من شهر حزيران الماضي يمضي حتى تحوّلت المانيا محجّاً لعشاق كرة القدم حول العالم ومحطّ انظار للمتابعين منهم عن بعدٍ لأحداث مونديال كان الافضل لناحية التنظيم وبلغ ذروة الاثارة في فصوله الاخيرة.
ايطاليا ظفرت باللقب. ربما لم يكن “الازوري” أفضل منتخب في المونديال الالماني، لكنه عرف بالتأكيد كيفية الاستفادة الى ابعد الحدود من الروح الجماعية التي ادخلها اليه المدرب المحنّك مارتشيلو ليبي الذي غيّر تماماً من الاسلوب الايطالي الدفاعي التقليدي معتمداً على اسلوبٍ “شبه هجومي” عبر الاتكال على مهاجمين اثنين، لينهي 24 عاماً عجافاً لم تذق فيه بلاد “الكالتشو” طعم الذهب العالمي، اذ يعود آخر فوزٍ للايطاليين في المونديال الى ايام الهداف باولو روسي والحارس دينو زوف عام 1982.
وكانت ايطاليا نفسها حاضرة لتصيب الالمان بأكبر خيبة امل في مونديالهم بعدما اقصى رجال ليبي “المانشافت” في الدور نصف النهائي بكثيرٍ من الاصرار والحظ في آنٍ معاً، في الوقت الذي حلم فيه اصحاب الارض بموعد معانقة الكأس الغالية والغائبة عن خزائنهم منذ احرازها للمرة الثالثة في تاريخهم عام 1990 في ايطاليا. بكى ميكايل بالاك ورفاقه حسرةً، ولحق بهم الحارس الفرنسي فابيان بارتيز الذي عجز عن التصدي لركلات الترجيح التي منحت الفوز للايطاليين في المباراة النهائية، ومثله اجهش المهاجم دافيد تريزيغيه الذي اهدر الركلة الحاسمة لفرنسا. الا أن مشهد المونديال عموماً كان “نطح” كابتن فرنسا زين الدين زيدان للمدافع الايطالي ماركو ماتيراتزي، الامر الذي تسبّب بطرده وتحويل مسار الاحتفالات من باريس الى روما. ومما لا شك فيه ان “نطحة” زيدان التي اثارت جدلاً واسع النطاق ستبقى في ذاكرة كل من تابع المباراة النهائية المذكورة، اذ وجدت لها مكاناً في ارشيف اللقطات المونديالية المميّزة وما اكثرها.
وفي سياق الخيبات المونديالية، كانت الاكبر منها تلك التي أحاطت بالمنتخب البرازيلي الذي دخل البطولة مرشحاً فوق العادة للظفر باللقب قبل خروجه على يد فرنسا، رغم تحطيم نجمه رونالدو الرقم القياسي المسجل باسم الالماني غيرد مولر كأفضل هداف في تاريخ المونديالات. وبين الغرور والثقة الزائدة بالنفس، وغياب الانسجام بين افراد “السيليساو”، وجد البرازيليون انفسهم بعيداً عن مونديال المانيا ابتداءً من الدور ربع النهائي، على غرار ابناء قارتهم الارجنتينيين الذين عجزوا عن تخطّي الالمان في الدور عينه بعدما اشهر الحارس ينس ليمان “قصاصة ورق سحرية” من جوربه ليتصدى للركلات الترجيحية للاعبي افضل منتخب في الأدوار الاولى.
وعلى وقع نجاحات المونديال، منح كابتن ايطاليا فابيو كانافارو جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في اوروبا لعام 2006، قبل ان يتم اختياره افضل لاعب في العالم بحسب استفتاء الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، ليصبح اول مدافع يحصل على الجائزة منذ انطلاقها قبل 16 عاماً، متفوقاً في المناسبتين على البرازيلي رونالدينيو الذي جمع الكرة الذهبية وجائزة “الفيفا” في 2005.
ليون قياسي ويوفنتوس فضيحة
كرة القدم الاوروبية كانت على مواعيد استثنائية في 2006، برز منها ما أقدم عليه ليون في فرنسا حيث توّج بلقب “ليغ 1” للموسم الخامس على التوالي محققاً رقماً قياسياً محلياً. ولم يكن ما حققه ليون مفاجئاً بالنسبة الى الكثير من المتابعين بالنظر الى السياسة الادراية الناجحة التي يعتمدها النادي بقيادة جان ميشال اولا، وهو يبدو مرشحاً لتعزيز إنجازه في نهاية الموسم الحالي اثر ابتعاده بفارقٍ كبيرٍ من النقاط عن اقرب منافسيه.
والسياسة الادارية الناجحة، كانت عاملاً حاسماً ايضاً في المانيا حيث احتفظ بايرن ميونيخ بالثنائية (الدوري والكأس) لموسمٍ آخر، فيما حذا تشلسي حذوه ناحية بطولة الدوري الانكليزي الممتاز، وتنطبق المقولة عينها على برشلونة اسبانياً وسلتيك اسكوتلندياً وبي أس في ايندهوفن هولندياً.
اما فضيحة عام 2006 فكانت تلك التي عصفت بكرة القدم الايطالية بعد ثبوت تلاعب اندية يوفنتوس وميلان ولاتسيو وفيورنتينا وريجينا بنتائج المباريات، وقد طغت القضية على نظيرتها في المانيا حيث ادين الحكم روبرت هويتزر بالامر عينه خلال قيادته مباريات في الدرجات الدنيا. الا أن القضية الايطالية أخذت أبعاداً اخرى وأفرزت نهاية مأسوية بالنسبة الى “اليوفي” العريق الذي جرّد من لقبه وأسقط الى الدرجة الثانية، فيما حذفت نسب مختلفة من النقاط من ارصدة الاندية الاخرى.
اوروبياً، فرض الاسبان سطوتهم على المسابقتين القاريتين، اذ عرف برشلونة اخيراً طعم الفوز بدوري الابطال الاوروبي للمرة الثانية في تاريخه بعد الاولى عام 1992، قبل أن تتكرر خيبته خارج حدود القارة العجوز بخسارته في نهائي مونديال الاندية امام انترناسيونال البرازيلي. وكان برشلونة قد خسر ايضاً كأس السوبر الاوروبية امام مواطنه اشبيلية بطل كأس الاتحاد الاوروبي.
الاوروبيون يحوّلون “الأحلام” إلى كوابيس
من فوز المنتخب اللبناني على نظيره الفرنسي في الدور الاول، الى الحضور الاوروبي الصرف في المباراة النهائية، وفى مونديال السلة في اليابان بكل التوقعات التي احيطت به قبل انطلاقه ما عدا سقوط “منتخب الاحلام” الاميركي تحت وطأة “ضربات” الاوروبيين الذين اكدوا مرةً اخرى علوّ كعبهم في لعبة العمالقة.
واذ شهد العالم بأسره عجز كارميلو انطوني وكيرك هينريش ودوايت هاورد ودواين وايد ولوبرون جيمس امام اليونان في الدور نصف النهائي، كانت اسبانيا حاضرة لتنزع عن نفسها صفة “الخاسر الاكبر” في الالعاب الجماعية والتي الصقت بها بعد النكسات المتتالية لمنتخبيها في كرة القدم وكرة السلة على الساحة العالمية رغم اعتبار بطولاتها المحلية الاقوى. وتخطّى خورخيه غارباخوزا وخوان كارلوس نافارو ومانويل كالديرون ورودي فرنانديز غياب النجم الاول للمنتخب باو غاسول عن المباراة النهائية ليسقطوا اليونانيين ابطال اوروبا، قبل ان يطلق غاسول العنان لدموع الفرح بعد حصده جائزة افضل لاعب لينضم الى لائحة الابطال الذين ذرفوا دموع المجد هذه السنة.
كما لم تكن 2006 سنة عادية في الدوري الاميركي الشمالي للمحترفين، حيث دخل ميامي هيت نادي الابطال المذهّبين للمرة الاولى في تاريخه بفضل نجميه شاكيل اونيل والـ “أم في بي” دواين وايد وألونزو مورنينغ وغاري بايتون وأنطوان واكر، الى المدرب الاسطوري بات رايلي الذي ظفر باللقب الخامس في مسيرته.
نهاية أسطورة... بداية أسطورة؟
عادت الاثارة اكثر الى حلبات سباقات سيارات الفورمولا 1، اذ بقي اسم الفائز باللقب المرموق مجهولاً حتى المرحلة الاخيرة في البرازيل حيث احتفظ الاسباني الشاب فرناندو ألونسو بلقبه بطلاً للعالم على حساب الالماني ميكايل شوماخر.
ويمكن القول إن نهاية موسم الفورمولا 1 أسس لإطلاق اسطورة جديدة اسمها ألونسو الذي اثار دهشة المتابعين بعناده وقدرته على تحدّي الكبار ومنهم شوماخر الذي حاول تسجيل عودة “هوليوودية” ينهي بها مسيرته المظفرة التي جمع فيها سبعة ألقاب في انجازٍ غير مسبوق، محطماً كل الارقام القياسية المنوطة بهذه الرياضة. والحق يقال ان سيطرة ألونسو المطلقة في بداية الموسم كادت ان تذهب هدراً في نهايته، وخصوصاً بعدما استعادت “فيراري” زمام المبادرة من “رينو” وهبّ “البارون الاحمر” الى دائرة المنافسة قبل ان يخونه المحرك والاطارات ليقول باكياً “وداعاً” لرياضة ارتبطت باسمه لأعوامٍ طويلة وستكون مغايرة تماماً عمّا عهدناها من دونه.
شدّ “شومي” حزام الرحيل طابعاً قبلة اخيرة على هيكل سيارته الحمراء في لقطةٍ حبست الانفاس وأظهرت أن اخلاص البطل الالماني وعشقه لعمله كانا في مقدمة الاسباب التي جعلت منه اسطورة لا تتكرر الا في حال كان لألونسو رأي آخر، وهو الذي وعد بخط ملحمته الخاصة في السنوات المقبلة.
الايطالي فالنتينو روسي خانه الحظ ايضاً عندما سقط عن دراجته في السباق الاخير لبطولة العالم للدراجات النارية، ليذهب لقب فئة “موتو جي بي” الى الاميركي نيكي هايدن. الا أن الفرنسي سيباستيان لوب تخطى سوء الطالع الذي لاحق شوماخر وروسي، ونجح في الاحتفاظ ببطولة العالم للراليات رغم متابعته آخر مراحلها عبر شاشات التلفزة بسبب تعرّضه لكسرٍ في ذراعه ابعده عن طرقات السرعة.
فيديرر وهاردين على عرش لعبة النبلاء
أكد السويسري روجيه فيديرر أنه الظاهرة الجديدة في عالم كرة المضرب، اذ سيطر على غالبية الدورات الكبرى في 2006 متجهاً في سنٍ صغيرة نحو نادي العظماء الذي سبقه اليه التشيكي ايفان ليندل والسويدي بيورن وبورغ والاميركيان جون ماكنرو وبيت سامبراس وأندريه اغاسي، الذي ارسل قبلة وداعية مغموسة بالدموع الى جماهيره تاركاً ملاعب المستديرة الصفراء بعد مسيرة حافلة بالانتصارات الفريدة.
وعند السيدات، تغلّبت جوستين هينان ــ هاردين على نفسها مسجلةً عودة لافتة بعد فترة غياب لا بأس بها بداعي الاصابة التي كادت تقضي على مسيرتها. وانتزعت هاردين صدارة التصنيف العام في نهاية الموسم مكرّسةً التفوق الاوروبي في عالم التنس بعد اضمحلال العصر الاميركي وانكفاء نجمي الشقيقتين فينوس وسيرينا وليامس. وهذا ما ترجم ايضاً على الصعيد الجماعي بإحراز الفريق الروسي مسابقة كأس ديفيس على حساب الارجنتينيين. كما يجب عدم اغفال الطلة المميزة للبطلة السويسرية مارتينا هينغيس التي قدّمت مستوى طيّباً بعد عودتها عن قرار الاعتزال.
2006 سنة حافلة واستثنائية يصعب تكرارها بحلوها ومرّها، الا انه مما لا شك فيه أن احداثها ستبقى مطبوعة لفترة طويلة في اذهان كل من تابعها بشغف.