شربل كريّم
دأب ملوك أوروبا وأباطرتها في الماضي الغابر على استقدام الأفارقة إلى بلاطاتهم لخدمتهم هم وحاشياتهم. واستمر “الاستعباد” الاوروبي لأبناء القارة السمراء في حقبة تقسيم أفريقيا الى مستعمرات حيث طبع الاوروبيون غالبية بلدانها بلغتهم من دون أن يسمحوا لمواطنيها “العبيد” بقول كلمتهم الخاصة. لكن كم يختلف أمس عن اليوم في صورٍ كثيرة، حيث تبرز المفارقة في استعانة النوادي الاوروبية لكرة القدم باللاعبين الافارقة الذين أضحوا حاجةً ملحّة لا غنى عنها، وقد حصل بعضهم حتى على جنسية البلد الاوروبي لتمثيل منتخبه. وبدا هذا الامر واضحاً على الأقل في مَثل مباراة برشلونة الاسباني وتشلسي الانكليزي، الثلاثاء الماضي، في دوري الابطال الاوروبي، اذ ضرب “الإعصار الأفريقي” للفريق اللندني بقوة عبر العاجي ديدييه دروغبا والغاني مايكل ايسيان، مع امكان اضافة اسم كلود ماكيليلي الكونغولي الأصل الفرنسي الجنسية.
صحيح أن تشلسي يضمّ كوكبة من النجوم العالميين المختلفي الجنسية الذين في استطاعتهم تغيير مجرى اي مباراة مهما كانت هوية الفريق المنافس، لكن الحقيقة الدامغة في المواجهة المذكورة هي أن الافضلية لم تكن لتصبّ في مصلحة تشلسي ذهاباً وإياباً لو غاب عنها احد لاعبيه السمر، وهو الامر عينه الذي انعكس سلباً على برشلونة بابتعاد هدافه الكاميروني صامويل ايتو الذي لعب دوراً اساسياً في ترجيح كفة الكاتالونيين في موقعتي “ستامفورد بريدج” و“نو كامب” الموسم الماضي.
لقد تحوّلت مواصفات اللاعب الافريقي الاكثر طلباً عند المدربين العالميين، فالقوة البدنية لإيسيان القادرة على شلّ حركة أقوى المهاجمين، ونشاطه الهائل من دون كلل أو شعور بالتعب طوال الدقائق التسعين، الى التقنية الرفيعة لدروغبا التي تمنحه قدرة خارقة على اصابة الشباك وقضّ مضاجع المدافعين، كلها صفات من “ماركة مسجّلة” لا يمكن ابتكارها في اوروبا لأنها ولدت من رحم قساوة العيش الافريقية التي منحت اولادها الذين يمارسون اللعبة بأقدامهم الحافية، مناعةً فطرية لتحمّل الظروف المختلفة الصعوبة.
انه القدر، ولا شيء سواه، الذي جعل القارة العجوز تلهث وراء “عبيد” أمس الذين يحكمونها كروياً. فإلى تقاضيهم أعلى الرواتب التي جعلتهم يتذوقون رغد حياة البورجوازية، فرض هؤلاء انفسهم ملوكاً لا يمكن خلعهم عن عروش الكرة العالمية.