strong>شربل كريّم
لا تخفى على أحد المرحلة الحرجة التي عاشها فريق بايرن ميونيخ في الفترة الاخيرة، وكان ابرز اسبابها عدم استطاعة غالبية لاعبيه الحفاظ على مستوى ثابت يخوّل احدهم انتشال الفريق في اللحظات الحرجة وسط الاصابات العديدة التي قلّصت من خيارات المدرب فيليكس ماغات المتأثر اصلاً برحيل قائد منتخب المانيا ميكايل بالاك الى تشلسي الانكليزي في الصيف الماضي. وحده باستيان شفاينشتايغر ارتقى الى مستوى التحدي حائزاً مديح النقاد في حالتي الخسارة والتعادل كما في حالة الفوز، في موازاة تحوّله النجم الاول للمنتخب الالماني مضطلعاً بجميع الادوار التي يمكن للاعب كرة قدم أن يشغلها على ارض الملعب.
لا يزال كثيرون في المانيا يتحسّرون على خسارة منتخبهم في الدور نصف النهائي للمونديال الاخير امام ايطاليا (0 ــ 2) في الدقائق القاتلة، ويعزو البعض السبب الاولي لتلك الهزيمة المرّة إلى إبقاء المدرب يورغن كلينسمان على شفاينشتايغر خارج التشكيلة الاساسية مفضلاً الاعتماد على تيم بوروفسكي، مما اعطى الحرية للطليان في التحرك على الاطراف وخصوصاً الجهة اليسرى التي افتقدت الفاعلية الهجومية الصرفة التي يؤمنها نجم البايرن. ولا شك في أن كلينسمان تأكد من حجم الخطأ الذي ارتكبه عند تألق “شفايني” في المباراة اللاحقة حين احرزت المانيا المركز الثالث على حساب البرتغال (3 ــ 1)، اذ كان الاشقر الموهوب حاضراً بتسديداته الصاروخية الثلاث التي ضمنت للالمان الميدالية البرونزية.
قلّة هم اللاعبون الذين استأثروا بالعناوين العريضة على غرار ما فعله شفاينشتايغر حتى الآن، قبل وبعد كل مباراة خاضها مع البايرن أو المانيا منذ بداية الموسم الحالي، فهذا اللاعب الشاب يعتمد سلاحاً فتاكاً بإمكانه إرباك اقوى حراس المرمى في العالم، ويتمثل بإصابة الهدف من المسافات البعيدة. اذن يمكن القول إنه ولد لألمانيا “مدفعجي” جديد بعدما سطّر شفاينشتايغر سلسلة من الاهداف المتواصلة بتسديدات بعيدة المدى، وهو ما دفع النجم الفرنسي بيشنتي ليزارازو الى وصف زميله السابق في بايرن ميونيخ بأنه يمثّل اللاعب الالماني التقليدي ويترجم الثقافة الكروية الالمانية التي تعتمد على قوة التسديد بأبهى حللها. وقد جاء كلام ليزارازو في خضم مشاركته فريق قناة “كانال بلوس” الفرنسية تحليل الهدف الرائع الذي سجّله الالماني في مرمى سبورتينغ لشبونة البرتغالي في دوري الابطال الاوروبي. وتكمن المفارقة هنا في أن الحارس الذي سكنت “كرة النار” شباكه كان البرتغالي ريكاردو الذي سبق أن ذاق مرّ تسديدات “شفايني” الفتاكة في مباراة منتخبيهما في المونديال!
ومن المباراة الوديّة لألمانيا امام جورجيا (2 ــ 0) حيث سجل «شفايني» هدفاً من حوالى 40 متراً، ومهّد آخر لبالاك، الى تنصيبه افضل لاعب في المباراة امام سلوفاكيا (4 ــ 1) في التصفيات المؤهلة الى كأس الامم الاوروبية 2008، كان حراس الدوري الالماني يسقطون واحداً تلو الآخر عاجزين امام الكرات التي يفاجئهم بها بدقّةٍ متناهية. من هنا، اضحى مدرب “المانشافت” يواكيم لوف يدرك تماماً أن لمنتخبه قائداً جديداً لا يتجاوز عمره 22 سنة، وهو على أهبة الاستعداد لتسلم شارة قيادة الرعيل الجديد من الشبان الذين تعجّ بهم التشكيلة الالمانية. واللافت ان شفاينشتايغر دخل جنة المنتخب قبل عامين تقريباً في اللحظات الاخيرة لإعلان المدرب الاسبق رودي فولر التشكيلة المشاركة في امم اوروبا 2004، إلا أنه خاض المباريات الثلاث التي خرجت على اثرها المانيا من الدور الاول وربحت نجماً أسر قلوب الجماهير بانطلاقاته الشجاعة وتقنيته العالية.
باستيان شفاينشتايغر هو اليوم البافاري الوحيد ضمن صفوف البايرن،إذ ولد في ميونيخ وتربّى في مدرسة اكثر الفرق الالمانية نجاحاً، في موازاة بروزه في رياضة التزلج التي أعاد البعض الفضل اليها في تزويده بالسرعة ورشاقة القدمين وردود الفعل التي تضاف الى ذكائه الفطري وروحه القتالية التي تجعل منه لاعباً متكاملاً. ويبدو رهان ماغات في مكانه حتى الآن، إذ رفض التعاقد مع لاعب جناح لتعويض رحيل البرازيلي زي روبرتو، مؤكداً أن في إمكان شفاينشتايغر شغل اي مركز في خط الوسط على غرار ما يفعله مع المنتخب الالماني حيث شكّل ثنائياً فريداً والمهاجم لوكاس بودولسكي. وتردّد أن البايرن عهد الى الاول محاولة إقناع زميله بالانتقال الى بافاريا عندما قرر ترك فريقه السابق كولن، وهو ما اكده “بولدي” الذي رأى أن صداقته وشفاينشتايغر أدّت دوراً اساسياً في اختياره الانضمام الى بايرن ميونيخ رافضاً العروض من النوادي الالمانية والخارجية على حد سواء.
وفي انتظار انغماس بودولسكي اكثر في نظام فريقه الجديد لتكرار ما يقدم عليه من إبداعات مميزة في صفوف المنتخب بمؤازرة “ايفنبرغ الجديد” (اطلق هذا اللقب على شفاينشتايغر نظراً للتشابه الكبير إن في اسلوب اللعب او في الشكل بينه وبين كابتن البايرن السابق شتيفان ايفنبرغ)، يواصل الأخير احتكار قرار تحديد المصير النهائي للمباريات، وخصوصاً عند مشاركته مع المنتخب (لعب 40 مباراة دولية) حيث كان له دور فاعل في نصف الاهداف الـ23 التي سجلها “المانشافت” منذ تولّي لوف مقاليد تدريبه.
ميزة نادرة أخرى تبرز بوضوح اثناء تنقّل شفاينشتايغر في أرجاء المستطيل الاخضر، فإلى تطوره المضطرد، يبدو مستمتعاً بما يفعله وسط الابتسامة التي تعلو وجهه دائماً قبل أن يبلغ الذروة مطلقاً أحد “صواريخه الذكية” التي لا تعرف إلا طريق الشباك.