نيقوسيا ــ شربل كريّم
تعدّدت اسباب الهجرة اللبنانية التي بدأت منذ مطلع القرن الماضي، وتراوحت انواعها بين هجرة لأسبابٍ امنية واقتصادية واجتماعية و“هجرة ادمغة” و... إلا إن القاسم المشترك كان سعي اللبنانيين الى ترك وطنهم لتعويض النقص الذي يعانونه على مختلف الصعد. لكن الوضع كان مساء اول من امس مغايراً الى أبعد الحدود وسط زحف اللبنانيين الى العاصمة القبرصية نيقوسيا لمتابعة مباراة المنتخب القبرصي مع نظيره الالماني، وكان الهدف على حدّ قول احدهم عدم وجود كرة قدم حقيقية في لبنان، والدليل هجرة المشجعين لمدرجات الملاعب، لذا فإن الهجرة المؤقتة الى الجزيرة القريبة تأتي في سبيل تعويض الفراغ الكروي الذي يعيشه عشاق المستديرة اللبنانيون.
“وعدونا بمشاهدة المنتخب البرازيلي في المدينة الرياضية، لكن احلامنا تبخّرت كالعادة، لذا كان لا بدّ من العبور الى قبرص لمشاهدة المانيا التي لا نجرؤ على مجرد التفكير باستضافتها في بيروت”، يقول آخر بسخرية وحسرة في آنٍ معاً. اذاً قبرص التي تشتهر بإجلاء الاجانب من لبنان (بالإذن من الفنان زياد الرحباني) كانت على موعدٍ جديد مع اللبنانيين المقيمين والنازحين لأسبابٍ رياضية، وهؤلاء رفضوا تغيير عاداتهم فكان الانقسام بين المدرجين الالماني والقبرصي لتحضر الاعلام اللبنانية بوضوح في ارجاء الملعب.
وفي مشهدٍ مماثل للشارع المونديالي اللبناني، تجاورت الرايات اللبنانية مع أعلام البرازيل وإنكلترا وهولندا، وبدا واضحاً أن مشجعي المنتخبين الاصفر والبرتقالي قطعوا المسافة للشماتة بمحبذي المنتخب الالماني بحكم المنافسة التاريخية بينهم. أما القبارصة فلم يجد معظمهم تفسيراً منطقياً لهذه الظاهرة، وهمسَ أحدهم لرفيقه الانكليزي الجالس بجواره سائلاً عن إمكان وجود دوري للعبة في لبنان! إنه قدر اللبنانيين أن تصبح السفارات الاجنبية وبلدان الاغتراب وجهتهم الدائمة، كما هو قدر الرياضيين في لبنان أن يعيشوا في كذبةٍ اسمها رياضة، وخصوصاً أن ما ينظّم وما يمارس بعيد كل البعد عن الأعراف الرياضية العالمية، وهذا ليس بالامر الغريب في ظل غياب سلطة رياضية عليا تشرف وتراقب وتقرّ وتحاسب... ويسألون عن أسباب الهجرة!