علي صفا
لبنان بلد فريد، شريد و... عنيد. عنيد جماعياً وفردياً. جماعياً في الاتحادات وفردياً في المراكز والإدارات.
لبنان يكره «الاتحادات» لأن في الاتحاد قوة، وشعاره العتيق «قوة لبنان في ضعفه»، ولأنه يقوم على المبادرات الفردية فهو يكره الجماعية، لذلك تصبح المعادلة العتيقة كما يلي «تانضل قوايا لازم يكون لبنان ضعيف، وتانحافظ على المبادرة الفردية لازم نفرط الاتحادات، ومن يخرج عن هذا المبدأ ويصنع «القوة» يصبح مغامراً».
وإليكم افضل مثال وطني: كيف انفرط مجلس الوزراء (اتحاد الوزراء) وكيف انفرط اتحاد كرة القدم، لتعود تركيبة البلد والكرة إلى نقطة الصفر. والصفر اختراع العرب، ويعني الفراغ.

*****

أمام هذا الواقع الصفر الفارغ، نعود قليلاً للذكريات. بوشكاش مات أمس فتذكرت... بوشكاش هداف المجر الذهبي في الخمسينيات وهداف ريال مدريد وهداف العالم الفريد، مرّ في لبنان آنذاك مع منتخبه وفاز على منتخبنا 4 ــ 1، نتيجة ممتازة لنا، وسجل هدفنا الوحيد التاريخي «مارديك» نجم هومنمن الفريد أيضاً، وحرس مرمانا خليل الهندي المرحوم في الشوط الاول وسميح شاتيلا طويل العمر في الشوط الثاني.
وهكذا، عندما كنا صغاراً، كنا نهتف لمن يصد كرة صعبة «آه يا سميح» ولمن يسدد كرة صاروخية «آه يا مارديك» أو «آه يا بوشكاش».
وكان مارديك وسميح ورفاقهم النجوم يوسف يموت وجوزيف ابو مراد وفوزي كنج وليفون وسميك واحمد علامة وعدنان الشرقي وابو طالب وسمير العدو وعبد الرحمن شبارو ومعاصروهم، كانوا يلعبون هواة لسنوات، يشترون أغراضهم وأحياناً يدفعون من جيوبهم، وربما تقاضوا بضع مئات من الليرات في سنواتهم الاخيرة.. كانوا نجوماً كباراً نبتوا ونشأوا في ملاعب الرمل.
فماذا جرى لكرتنا ولاعبيها خلال العشرين سنة الاخيرة، حيث صرفت مئات ألوف الدولارات بدون هدف ولا ضوابط ولا قواعد وتحت شعار «شبه احتراف»؟ ورغم ملاعب العشب والدلال والإعلام المتلفز تراجعت المستويات وتبخّرت النجوم وفرغت صناديق الاندية وخفّ الجمهور والاخلاق، واللعبة ماشية ثم زاحفة ثم رابضة وبإشراف اتحادات متتالية. كنا نلاعب المجر وآرارات وشاختيور واليوم نلاعب تايوان وباكستان والهند..
هواية زمان أنجبت سميح ومارديك ورفاقهم، واحتراف آخر زمن لم ينجب أشباههم ولا حتى خيالاتهم... ورغم كل ذلك يتباهى البعض بأنه أبو الكرة اللبنانية ورائدها نحو المجد!
آه يا سميح، آه يا مارديك، وآه من اتحادات آخر زمن!