شربل كريم
إنها مباراة الـ“دربي” الأشهر في العالم. إنه «إل كلاسيكو» الذي يحجب في ظله كل المباريات التي ترافق يوم إقامته، ويسيل حبر الصحافيين الذين يجتهدون لإظهار كل جديد ناحية المنافسة الشرسة التقليدية، والتي أصبحت أسبابها التاريخية معروفة من الجميع. إنها موقعة برشلونة وريال مدريد التي تقسم إسبانيا ومشجعي كرة القدم الى معسكرين نقيضين حيث تبرز مصطلحات لا تستعمل عادة إلّا في ميادين الحروب للدلالة على الحماوة المنبثقة عن انقسام «الارمادا» الإسبانية الكروية على نفسها.
دائماً هناك جديد لتسليط الضوء عليه قبل ضربة البداية بين العملاقين، إن من النواحي الفنية أو المعنوية التي تخرق تحفّظ المدربين. وتبرز اليوم مفارقة افتقدتها موقعة «البرسا» والريال على الأقل في الموسمين الأخيرين، إذ يمرّ كل منهما بظروف فنية مشابهة الى حدّ ما انطلاقاً من أدائهما على الساحتين المحلية والقارية. وفي الوقت الذي ثأر فيه برشلونة من اشبيلية لخسارته أمامه كأس السوبر الأوروبية، سقط أمام «غريمه» القاري تشلسي الإنكليزي. أما الريال فكان على موعد مع هزيمة مذلة أمام خيتافي المتواضع قبل أن يستعيد أنفاسه على حساب شتيوا بوخارست الروماني في دوري الأبطال الأوروبي.
لا يمكن إلا التطرق الى هذه المسائل الحسابية الخاصة بنتائج الفريقين حديثاً لدراسة واقع الحال حيث يمكن تشبيه وضع المدربين الهولندي فرانك ريكارد والايطالي فابيو كابيللو بلاعبي الشطرنج الذين «يعصرون» أفكارهم وسط الحسابات المعقّدة لتحريك بيادقهم في شكل يسهّل لهم اختراق رقعة المنافس قبل إسقاطه بالضربة القاضية. ويبدو واضحاً أن الأمور معقّدة أكثر مما تبدو عليه وخصوصاً من ناحية كابيللو الذي قد لا يرزح تحت ضغط الإدارة والجمهور المدريدي بقدر ما يقسو على نفسه لفشله حتى الآن في إدخال الـ“ميرينغيز” معادلة اللعب على طريقته، حتى إنّه تردد في بعض المجالس الضيّقة أنه يفكّر جدياً في الاستقالة من منصبه لعدم رضاه عن تجاوب لاعبي الفريق مع خططه. ويدرك المتابعون أن الخسارة أمام خيتافي (0 ـ 1) جعلت العدّ العكسي لولاية الإيطالي الفذّ يتسارع كونها جاءت أقسى من الخسارة أمام ليون (0 ـ 3) في دوري الأبطال حيث كان مستوى الفريق الملكي أفضل بأشواط عدة. وتضاعفت آثار الهزيمة المفاجئة إثر طرد الحكم غونزاليس فاسكيز للمهاجم البرازيلي رونالدو بعدما وصفه الأخير بالـ“ظاهرة” وهو اللقب الذي أطلق على الهداف البرازيلي في بداياته. ومما لا شك فيه أن هذا الأمر لا يقلق كابيللو كونه لا يعتمد على رونالدو كثيراً، وهذا ما استدعى تدخلات المدير الرياضي الصربي بريدراغ مياتوفيتش الذي دعا المدرب الى استخدام خياراته الأخرى في موازاة تهديده اللاعبين بإجراءات قاسية بحقهم إذا تكرر ما حصل أمام خيتافي.
لكن كما هو معلوم فإن كابيللو العنيد يعمل وفق طريقته الخاصة، إذ إن أحاديث مشابهة تجعل الطرف الثاني فيها وكأنه يتحدث الى حائط بكل ما للكلمة من معنى. ورغم حصوله على الدعم المطلق من الرئيس رامون كالديرون فإن «البروفسور» يدرك أن مهمته الأساسية، الأحد المقبل، محصورة بإعادة شيء من هيبة العرش الى النادي الملكي الذي فقد سطوته المحلية والأوروبية لصالح عدوه اللدود برشلونة.
لا يخفى أن حسابات كابيللو قريبة من الانهيار، فهو الذي وعد أنه إذا نجح في ضم المالي مامادو ديارا فإن فريقه لن يخسر أكثر من ثلاث مباريات طوال الموسم، فيما لقي خسارتين حتى الآن (!). كما أن دفاع الريال غير حصين البتة وخط الوسط متأرجح المستوى، الى انعدام التوازن في التشكيلة عموماً حيث تفيض بالمهاجمين من دون إيجاد لاعب يضطلع بدور «الخلاّق» بعد اعتزال الفرنسي زين الدين زيدان، فوقع الخيار على غوتي الذي سرعان ما وجد نفسه على الأجنحة لعدم إتاحة ديارا والبرازيلي إمرسون مساحة له في دائرة الوسط لإمداد المتألق الهولندي رود فان نيستلروي الوحيد الذي ارتقى الى مستوى التحدي.
ورغم أن إصرار «ثوار» كاتالونيا على أن يكونوا في طليعة أسباب تهجير كابيللو من«البيت الأبيض»، فإن ملاحظات سلبية لا يمكن تجاهلها تعترض طريق ريكارد بعد الخسارة أمام تشلسي ولو أن برشلونة قدّم مستوى طيباً في الشوط الأول من المباراة المذكورة وسط أداء جماعي مميّز، قبل أن يفشل في إيجاد الحلول بعد تكبيل الإنكليز للمفاتيح المتمثلة بالبرازيلي رونالدينيو والأرجنتيني ليونيل ميسي. وتختلف مشكلات برشلونة عن تلك التي تلفّ الريال، إذ إن ثُغر الفريق الكاتالوني تنحصر في نواحٍ فردية معيّنة. ويبقى الأكثر استغراباً أن ريكارد لم يحسن قراءتها حتى الآن رغم وضوحها للعيان، فاستبدال البرتغالي ديكو البعيد عن مستواه بالشاب النشيط اندريس إينييستا بات حاجة ملحّة لاستعادة زمام المبادرة في منطقة الوسط، الى الاعتماد أكثر على الفرنسي لودوفيك جولي والأرجنتيني خافيير سافيولا بدور المهاجم الصريح لتعويض غياب الكاميروني المصاب صامويل ايتو، وهو الدور الذي فشل فيه الايسلندي ايدور غوديونسن أمام تشلسي.
الجميع يتحضر ويشدّ الأحزمة لرحلة من المتعة الكروية لا بدّ أن تترك أثراً على بقية الموسم وترسّخ مشهداً فريداً على غرار ما كان عليه الأمر في آخر زيارة لبرشلونة الى «سانتياغو برنابيو» حين وقفت الجماهير المدريدية وقفة غير مسبوقة تصفّق مطوّلاً لخصمها الأزلي في ظل الاستعراض الذي قدّمه «روني» ورفاقه تاركين الريال في دوامة أزمة قد تكون في الانتظار هذه المرّة أيضاً برفقة المناديل البيضاء التي سترفع في وجه الخاسر أياً تكن هويته.