لم يكن مستغرباً قول رئيس نادي وست هام يونايتد الانكليزي تيرينس براون ان صفقة استقدام الأرجنتينيين كارلوس تيفيز وخافيير ماسكيرانو هي الأفضل في تاريخ النادي، ولم يكن أحد في حاجة الى سماع هذا التصريح لإدراك الأمر بقدر حاجة جميع المراقبين إلى إيضاحات حول الأسباب الحقيقية التي جعلت اثنين من أبرز المواهب الشابة في العالم ينضمان الى نادٍ يصارع من أجل الحفاظ على مكانه في الدوري الانكليزي الممتاز.وتشير كل الدلائل الاولية التي أفردت لها الصحف الانكليزية والأوروبية تحليلاتٍ واسعة، إلى ان الصفقة بعيدة كل البعد عن المعنى الكروي الصرف وتأتي في سياق انغماس كرة القدم أكثر في مستنقعات «التجارة الرياضية» التي بدأت تثير الشبهات والقلق حولها يوماً بعد يوم. وفيما اعتبر براون ان انتقال تيفيز وماسكيرانو الى لندن جاء بملء إرادتهما وبفعل إدراكهما لتاريخ النادي العريق قائلاً «حتى إن ماسكيرانو طلب أثناء المفاوضات الحصول على القميص الرقم 6 الذي ارتداه سابقاً بوبي مور»، فإنه من السذاجة التأكيد على ان اللاعبين طمحا يوماً الى اللعب في صفوف نادٍ متواضعٍ احتل المركز التاسع على لائحة الترتيب نهاية الموسم الماضي، وخصوصاً ان نوادي من العيار الثقيل سعت في الفترة الاخيرة للحصول على توقيعهما، امثال برشلونة وريال مدريد الاسبانيين وميلان الايطالي وتشلسي ومانشستر يونايتد وارسنال، ولكن بيان سوق لندن لتبادل الاسهم فضح «لعبة» براون ورفاقه في مجلس الادارة بعد أقل من يومٍ على وصول النجمين الأرجنتينيين، وخصوصاً بعدما أبلغت إدارة النادي اللندني السوق المختصة عن امكانية انتقال ملكية النادي الى مالك جديد مع تأكيدها انه لا علاقة للخطوة بعملية توقيع تيفيز وماسكيرانو على كشوفاته. وكان هذا البيان كافياً لحل جزء من اللغز الذي بدأ منذ تواري تيفيز عن تمارين فريقه كورينثيانس البرازيلي وحتى اعلان اتمام الصفقة قبل ساعات قليلة على اقفال باب التواقيع في 31 آب الماضي، وهي خطوة ربما تكون مقصودة لتحاشي بلبلة مبكرة قبل وضع اللمسات الاخيرة على تغيير وجه «الهامرز».
أما الجزء الثاني والأهم من الحلقة المفقودة فهو ينحصر في تحديد هوية المالك الجديد للنادي. وهنا يبرز اكثر من سيناريو، يبدو الاقرب منها الى المنطق ان وصول تيفيز وماسكيرانو الى وست هام هو مجرد تمهيد لشراء رئيس شركة «ميديا سبورتس إنفستمنت» كيا جورابشيان النادي بأكمله، إذ يملك الرجل أصلاً عقدي الأرجنتينيين وهو كان وراء انضمامهما الى كورينثيانس التي تملك «أم أس آي» نسبة كبيرة من أسهمه. ومن هذا المنطلق لم يحصل النادي البرازيلي على اي عائدات من الصفقة ولم يدفع وست هام اي مبلغ مالي لقاء الحصول على خدمات اللاعبين.
وفي السياق عينه، نفى جورابشيان في بادىء الامر امكانية استلامه دفة وست هام في المستقبل القريب معلناً استقالته من شركة الاستثمارات المثيرة للجدل، الا أنه رزح أخيراً تحت ضغط الصحافة الانكليزية التي نقلت عنه اعترافه بأنه ضليع في مفاوضاتٍ لنقل «المطارق» الى حقبة جديدة ربما تكون بقيادة رجال أعمال نافذين من دون الكشف عن هويتهم. ورجّحت مصادر أن يكون جورابشيان الايراني الاصل يلعب دور السمسار، إذ قصد المجيء باللاعبين الارجنتينيين ليرفع من سعر أسهم النادي قبل شرائه وبيعه من جديد الى اشخاص من الشرق الاوسط يملكون المال الوفير محققاً بذلك صفقة رابحة من النواحي المختلفة.
وترك تصريح مالك نادي دينامو تبليسي الجورجي الملياردير بادري باتاركاتسيشفيلي (الشريك السابق لأكثر رجال الاعمال المثيرين للجدل في التسعينيات الروسي المنفي الى لندن بوريس بيريزوفسكي) الذي ربطته التقارير الاولية بالسعي لضم وست هام الى مجموعة املاكه، ترك علامات استفهام كبرى، اذ اعتبر ان وست هام «استأجر» تيفيز وماسكيرانو ولم يكن هناك صفقة شراء بالمعنى الصريح. وهذا يعيد الامور الى نقطة حساسة لا يمكن تجاهلها، وهي ان جورابشيان مقرّب من مالك نادي تشلسي الثري الروسي رومان ابراموفيتش الذي اتهم سابقاً وبيريزوفسكي بتأسيس «أم أس آي»، لذا ليس مفاجئاً ان يكون ابراموفيتش عهد الى الاول وضع تيفيز وماسكيرانو في «حضانة» وست هام لموسمٍ واحد على ان يشاركا في شكلٍ اساسي (هذه النقطة موجودة في بنود العقدين) قبل نقلهما الى «ستامفورد بريدج» في عملية اطلق عليها البعض عنوان «غسل اللاعبين» في اشارةٍ الى عمليات غسل الاموال التي نسبت الى ابراموفيتش و“أم أس آي” وكل من يمت لهما بصلة.
وبعيداً عن الغموض الذي ما زال يلف القضية، أثار غياب الشفافية عن هذه الصفقة المثيرة للريبة حفيظة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي أبدى قلقاً واضحاً من امتلاك الشركات عقود اللاعبين بدلاً من النوادي التي يمثلونها، في ظاهرة تدخل اللعبة في متاهات التجارة وتجعلها أسيرة رؤوس الاموال المجهولة المصادر. وبدوره تحرك الاتحاد الدولي لكرة القدم، إذ قال متحدث باسمه انه سيدرس امكانية سن قوانين حديثة تجبر الأشخاص الذين لديهم نوايا لشراء نادٍ معيّن على الكشف عن هويتهم.
وتبقى المشكلة المطروحة جدياً عدم استبعاد دخول اللاعبين النفق المظلم الخاص بالصفقات «المافيوية» في أسواق العرض والطلب الكروية، وخصوصاً أولئك القادمين من أميركا الجنوبية لتحسين وضعهم المادي من دون ادراكهم المالكين الحقيقيين لعقودهم، لذا لن يكون مستغرباً بعد الآن سماع انباء عن امتلاك لاعبٍ لعقد زميل له او اكثر، اذ تبدو الفكرة طبيعية ومنطقية في عالمٍ اضحى ملكاً للعملة دون سواها.
(أ ف ب)