شربل كريّم
خسارة امام كرواتيا (0-2)، تعادل مع ليتوانيا (1-1)، وخسارة اخرى امام فرنسا (1-3). هذه هي نتائج المنتخب الايطالي منذ تتويجه بطلاً لكأس العالم لكرة القدم في تموز الماضي. المتهم واحد حتى الآن، المدرب الجديد روبرتو دونادوني الذي خلف مارتشيلو ليبي عقب انتهاء عقد الاخير بعد نهائيات مونديال المانيا 2006. وعلى رغم ان الوقت لا يزال مبكراً للحكم على اداء الرجل، فإن الصحافة والرأي العام الكروي الايطالي لم يرحما المدرب الشاب على المستوى الذي ظهر به الـ “أزوري” أخيراً، وخصوصاً أن اصداء الفوز بالكأس العالمية للمرة الرابعة ما انفكت تتفاعل بين الطبقات المختلفة للمجتمع الايطالي، وبرز هذا الامر في طلات رئيس الوزراء رومانو برودي الذي يتغنى عبر المنابر السياسية بالإنجاز الذي حققه منتخب بلاده في اكبر تظاهرة كروية، غامزاً من قناة المنافسة بين الايطاليين والفرنسيين في ساحة السياسة الاوروبية وامتداداً الى تفوّق المنتخب الازرق على “الديوك” في المباراة النهائية للمونديال.
الا أن المواجهة الايطالية ــ الفرنسية الاخيرة اسقطت الهالة الاسطورية التي رسمتها صحافة روما وميلانو ونابولي وغيرها حول منتخبها في الاسابيع القليلة الماضية، اذ خلع رجال ريمون دومينيك عن الطليان كل الصفات الحسنة حتى بدت عباءة ابطال العالم فضفاضة عليهم، مؤكدين النظرية القائلة إن ايطاليا قدّمت مباراة كبيرة واحدة في الـ 24 سنة الاخيرة، وخرجت من خلالها متوّجةً باللقب العالمي. والمقصود هنا، معرفة المنتخب الايطالي الخروج فائزاً من مباراته في الدور نصف النهائي امام نظيره الالماني بكثير من الإصرار والعزيمة وحنكة المدرب ليبي الذي استفاد الى ابعد الحدود من الهفوات التكتيكية البسيطة التي وقع فيها المدرب الالماني يورغن كلينسمان القليل الخبرة اذا صحّ التعبير.
ولا يعدّ هذا القول انتقاصاً من أحقية المنتخب الايطالي في غنم اللقب العالمي، بقدر ما هو توضيح للظروف المؤاتية التي سنحت له لتحقيق مبتغاه، اي الاحداث التي رافقت مبارياته مع تشيكيا وأوستراليا وألمانيا وفرنسا وانعكست ايجاباً عليه في النهاية. لذا كان لا بدّ لمنتخب عرف الاستفادة من جميع الفرص المتاحة وتسلّح بدفاع صلب وخط وسط مبدع ومهاجمين قناصين ووقوف الحظ الى جانبه وسط بروز نجومية عناصر لم يكونوا في الحسبان ومنهم فابيو غروسو وماركو ماتيراتزي، من العودة مكللاً بالذهب الى بلاده.
لكن كل هذه الامور لم تحل دون عودته الى ارض الواقع منذ خسارته ودياً امام كرواتيا في مباراة وصفتها الصحافة الايطالية بكلمة واحدة “كوميديا”. وفي حكم المؤكد أن الاداء الايطالي امام ليتوانيا المتواضعة وفرنسا القوية، كان سيلقى الانتقاد اللاذع حتى لو خرجت ايطاليا من الدور الاول للمونديال، الا ان الامر تفاقم بفعل المقارنة بين المجموعة الحالية وتلك التي خاضت غمار كأس العالم. ويمكن اعتبار أن الايطاليين خسروا الموقعة الاخيرة قبل دخولها، اذ ظهرت العجرفة الايطالية التقليدية في تصريحات اللاعبين جينارو غاتوزو وفيليبو اينزاغي، حتى بدا للسامعين أن ابطال العالم في طريقهم إلى إذلال الفرنسيين على ارضهم وبين جماهيرهم.
اذاً كانت الثقة الزائدة بالنفس سلاحاً مضراً برجال دونادوني انفسهم في الوقت الذي افتقر فيه الدفاع إلى التنظيم والوسط الى السرعة والهجوم الى التعطش لتسجيل الاهداف والفريق عموماً الى الكيميائية.
لكن اين اخطأ دونادوني الذي جال طوال الاسابيع الماضية في المدن الايطالية لمتابعة استعدادات الفرق ومدى حضور اللاعبين المخوّلين دخول جنة المنتخب؟
تركت الخيارات امام فرنسا، حيث استمر غياب النجم فرانشيسكو توتي، اكثر من علامة استفهام على امكان تحمل دونادوني الضغط بفعل قيادته ابطال العالم خلفاً لليبي، اكثر المدربين نجاحاً في بلاد “الكالتشو”، وهذا ما دفع البعض الى اعتبار أن نجم ميلان السابق يفتقر الى الخبرة حيث لم يسبق له تدريب احد الفرق الكبرى في الـ “سيري آ” بل اكتفى بالاشراف لفترة وجيزة على ليفورنو. كما نادى البعض بعدم صحة خيار مفوض الاتحاد الايطالي غيدو روسي ومستشاره الدولي السابق ديمتريو البرتيني لإسنادهم المهمة الى مدرب شاب فجأة، وقد رفض الاول هذه الادعاءات قائلاً “اختارت الدولة العظمى الولايات المتحدة رئيسين لا يتجاوز عمرهما عمر دونادوني، لذا لا اعرف اين المشكلة في خيارنا”.
وبدا أن المشكلة في “ستاد دو فرانس” هي القراءة المتأخرة لوقائع المباراة، اذ ادرك دونادوني بعد فوات الأوان، انه على رغم موهبة فرانكو سيميولي وسرعته على الاطراف، فإنه يفتقر الى الخبرة الدولية من دون ان يجد “الفورمة” المطلوبة، كما أن العائد انطونيو كاسانو بدا تائهاً في احضان المدافعين الفرنسيين، اضافة الى افتقاد بقية اللاعبين الروح القتالية التي كان لها دورها في المانيا، وربما كان هذا الامر جرّاء عدم بلوغ اي منهم الجهوزية التامة لعدم بدء فعاليات الموسم، او مللهم من الاندفاع الهجومي الذي اوجده ليبي واستمر به دونادوني، اذ لطالما فضّل الايطاليون خطط الانكفاء في الخلف.
وهنا ينصب رهان دونادوني الجديد لشدّ اواصر منتخبه المفككك حتى لا تتبخر ذكريات برلين سريعاً، الا أن الوقت يدهمه لاستعادة نجومه وعلى رأسهم توتي، اذ لن تكون جماهير الملعب الاولمبي في روما سعيدة في السابع من الشهر المقبل (تلعب ايطاليا مع اوكرانيا) إذا تابعت كاسانو الذي هجرها الى ريال مدريد الاسباني مرتدياً القميص الرقم 10 الخاص بـ “ملك” روما غير المتوّج.