شربل كريّم

قيل إنه لبناني، وقيل عنه الكثير في الصحافة العالمية أخيراً. إنه القبرصي ماركوس باغداتيس الذي يخطّ اليوم هويته الخاصة في عالم كرة المضرب منطلقاً من جزيرة لم تعرف يوماً المجد الرياضي، ربما لعدم معرفة شعبها ورياضييها بكيفية تحويل المعاناة إلى مادة إيجابية مفيدة، والإصرار على ترجمة الأحلام وتعب العمر إلى واقعٍ حقيقي ذي مردود لا يقدّر بثمن.
لكن مواد النهوض من كل كبوة والانبعاث من جديد على طريقة «طائر الفينيق» كانت دوماً من اختصاص اللبنانيين، والمثال الصارخ على هذا الأمر الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي لم تكسر إرادة شعبنا. يحكى في العاصمة القبرصية نيقوسيا أن والد باغداتيس هجر لبنان لسببٍ أو لآخر، واقترن بسيّدة قبرصية حيث أسس عائلة نشأ أفرادها على حب التنس التي حاول الوالد تلقينها لشقيق ماركوس الأكبر . إلا أن الأقدار شاءت وضع صغير الأسرة في دائرة الضوء بعد تعرّض شقيقه لحادثٍ منعه من تحقيق هدف والده الأزلي. ولعبت الدماء التي تسري في عروق الرجلين دورها مرة أخرى، إذ لم يبخل كبير العائلة بإرسال ابنه بعيداً عنه للانخراط في مدارس تعليم اللعبة، وكل ذلك بمبادراتٍ شخصية منه، حتى عرف ماركوس التأقلم مع الظروف المختلفة وسجل اسمه «ماركة مسجلة» في عالم المستديرة الصفراء.
اليوم لم يعد ينظر إلى باغداتيس على أنه قادم من بلاد صغيرة أو بحسب جنسيته الأصلية أو تلك التي اكتسبها عند ولادته، إذ أعطى لوناً خاصاً لجواز سفره عبر الملاحم البطولية التي سطّرها على الملاعب بأرضياتها المختلفة حتى فوزه، الأحد الماضي، بأول لقبٍ في مسيرته القصيرة المدى والذائعة الصيت. تجربة باغداتيس ووالده مثال يحتذى به، ففي الوقت الذي كان يطرق فيه الأخير الأبواب بحثاً عن مصدرٍ داعمٍ معنوياً ومادياً للهدف الذي وضعه نصب عينيه، أضحى «يصارع» الصحافيين لإخراجهم من منزله عند بروز ولده في إحدى مباريات الدورات الدولية، في ظاهرةٍ تطبّق المثل القائل: «من طلب العلا سهر الليالي»، ولا شك في أن والد ماركوس سهر عليه طويلاً من دون أن يرفّ له جفن.
وكم تحتاج رياضتنا اللبنانية إلى أمثلة من هذا النوع!