شربل كريّميدرك كثيرون من متابعي كرة القدم ان يوهان كرويف كان وراء اختيار مواطنه ماركو فان باستن للإشراف على المنتخب البرتقالي، إذ غالباً ما رجع الاتحاد الهولندي إلى الكلمة الفصل التي يقولها “الهولندي الطائر” في مواقف مشابهة. لكن قلّة من هؤلاء المتابعين يعرفون ان بوادر انشقاق وجدت نفسها في علاقة الرجلين على الأقل في الأسابيع القليلة الماضية، إذ تردد في كواليس الكرة الأوروبية ان فقدان الودّ بين كرويف وفان باستن أضحى حقيقة واضحة خلافاً لما يعتقد البعض بأن الأمر مجرد وهم اقتبسته الصحافة من خيالها الخصب.
“ليس بالضرورة أن يكون كبار الأسماء كباراً في الأداء”. بهذا التصريح أشعل فان باستن فتيل أزمة ما زالت محصورة بين جدران معيّنة حيث يعمل على الحدّ من تأثيرها السلبي خشية تسربها الى الرأي العام الذي انتظر دائماً عودة “البرتقالي” مكلّلاً بالذهب، إلا أن خيبة السقوط تحوّلت مشهداً روتينياً في كل مناسبة عالمية. إذاً كانت المقولة المذكورة للهداف الدولي السابق كافيةً لهدم جسور التعاون مع “والده الروحي” كرويف الذي يقترب يوماً بعد يوم من معسكر المعارضين لخيارات فان باستن والمطالبين بوضع حدٍّ لـ“تهوّره” الذي وضع هولندا خارج منافسات مونديال ألمانيا 2006 في شكلٍ مبكر (خسرت هولندا أمام البرتغال في الدور الثاني).
ومعلوم ان فان باستن لا يملك خبرة تدريبية واسعة، اذ سبق له تدريب فريق أياكس أمستردام الرديف لمدة سنة قبل منحه الضوء الأخضر للإشراف على المنتخب الهولندي، وحظي وقتذاك بدعم الصحافة التي لطالما تأثرت واحترمت في الوقت عينه خيارات كرويف أفضل لاعب على مرّ التاريخ في البلاد المنخفضة. وانطلق فان باستن عكس التيار الذي اتبعه أسلافه، اذ جعل من المحليين ركيزة منتخبه ما أثار استغراب الجميع، لأن أبرز المواهب الهولندية تنتشر بكثرة في النوادي الكبرى.
لكن يبدو ان رواسب نتائج المونديال أثارت حفيظة كرويف في موازاة إصرار فان باستن على اتباع فلسفته الخاصة متجاهلاً نصائح الخبراء ومصرّاً على ان اللاعبين الشبان (الذين يفتقدون الى الخبرة الدولية الضرورية) سيقودون هولندا الى منصات التتويج على رغم ان الحال لم تكن كما اشتهى في مونديال 2006، وقد لا تبدو كذلك في المستقبل القريب!
وظهر جليّاً عبر مطالعة الصحف الهولندية ان بوادر انقلاب يحضّره كرويف بعدما أطلق الصحافيون حملة شعواء على المدرب الوطني على رغم تحقيقه نتائج طيّبة في الآونة الأخيرة. ولعل أبرز التعليقات التي حملت بصمات كرويف بطريقة غير مباشرة، كانت عبر الصحافي المعروف يوهان ديركسن، وهو أحد المقرّبين من “العظيم” وصاحب الإطلالات اليومية على القنوات التلفزيونية الأوروبية المتخصصة، والذي كتب في مجلته “فوتبول انترناشيونال” (المجلة الكروية الأكثر مبيعاً والوحيدة التي تصدر أسبوعياً في هولندا) ان فان باستن لم يكن يوماً الرجل المناسب للمهمة وقد ارتكب أخطاء جسيمة منذ تسلمه منصبه قبل سنتين.
ومما لا شك فيه انه اذا كان كرويف وراء هذا التعليق القاسي، أو بقاء ديركسن الذي يحسب لرأيه حساباً في الكرة الهولندية على موقفه، فإن نهاية نجم أياكس وميلان السابق باتت وشيكة. أما الأمر اليقين فهو أن الانقلاب المفاجىء لكرويف وجماعته مردّه فقدان الأول السيطرة على المدرب الشاب بسبب اختلاف وجهات النظر بينهما على خيارات التشكيلة، ما دفع كرويف الى الاستعانة بالتغطية الصحافية كما دأب على فعله طوال مسيرته لتصويب صحة أهدافه غير المعلنة.
ويرى كرويف انه لا ضرورة لوضع “فيتو” على محترفي الخارج الذين ذهبوا ضحية «فلسفة» فان باستن، إذ عمد تباعاً الى إبعاد كلارنس سيدورف وادغارد ديفيدز وروي ماكاي وغيرهم، حتى وصل “الموس” أخيراً الى رقبة رود فان نيستلروي ومارك فان بومل. واللافت ان اللاعبين المذكورين يضطلعون بمهمات أساسية مع فرقهم، أمثال سيدورف الذي نادراً ما غاب عن تشكيلة ميلان منذ انتقاله إليه، فيما يعرف عن ماكاي (بايرن ميونيخ) وفان نيتسلروي (ريال مدريد) أنهما من أخطر الهدافين في العالم، اضافة الى دور فان بومل البارز في إحراز برشلونة لقبي الدوري الاسباني ودوري أبطال أوروبا قبل انتقاله حديثاً الى البايرن. إلا ان لغة الاحصاءات لا تعني فان باستن الذي يفضّل التركيز على الشبان المحليين، إذ كان كافياً في غالبية الأحيان للاعبٍ أن يوقّع على عقدٍ خارج الحدود الهولندية ليفقد مكانه في التشكيلة البرتقالية. من هنا، احتل لاعبون مثل ستين تشارز (الكمار) وكلاس يان هونتيلار وريان بابل وهيدويغس مادورو (أياكس) أمكنة أصحاب الخبرة، فيما تردد وضع ديرك كويت وأندريه أوير وخالد بولحروز وديني لاندزات ويوريس ماتيسن على “اللائحة السوداء” بعد رحيلهم هذا الصيف الى الـ“برميير ليغ” و“البوندسليغه”.
إذاً أصبح صاحب أقل عددٍ من الشموع على قالب عيد ميلاده، العنصر المفضل لدى فان باستن، الى جانب الحفاظ على الهوية المحلية في ظاهرةٍ أعادت الى الأذهان تجربة الهداف الفذّ فاس ويلكس الذي أبعد عن “البرتقالي” في خمسينيات القرن الماضي بسبب إصراره على الاحتراف مع إنتر ميلان في الوقت الذي رفض فيه الاتحاد المحلي خروج لاعبيه من تحت مظلة الهواية، وقد قال رئيسه الراهن جو سبرينغرز يوم دفن ويلكس الشهر الماضي “لقد أخطأنا ونشعر بالأسف لحرمان جماهير المنتخب الهولندي من التمتع بموهبة الراحل”. فهل يكرر سبرينغرز اعتذاره عن خطأ لربما ارتكبه قائلاً “آسف لتعيين ماركو فان باستن مدرباً للمنتخب الهولندي”؟