اعتاد حراس المرمى على مرّ تاريخ لعبة كرة القدم التعايش مع مشاعر الحسرة التي أخذت مكانها في نفوسهم في كل مرة اهتزت فيها شباكهم، تاركةً إياهم في دوامة الخيبة أكثر من غيرهم من اللاعبين الآخرين على أرض الملعب، إذ إن الخاتمة السعيدة للفريق المنافس والحزينة لفريقهم كتبت دائماً عند تجاوز الكرة لهم لتستقر في “مثواها الاخير”. إلا أن بعض هؤلاء الحراس أراد تغيير التقليد المتبع منذ أمدٍ بعيد وسط إصرارهم على اختبار المشاعر المتضاربة الحلوة والمرّة التي تلفّ اللعبة الشعبية الأولى في العالم.وإذ عرف دوماً أن اللحظة التي تفجّر المدرجات فرحاً وتطلق العنان لاحتفالات اللاعبين هي تلك الناتجة من تسجيل الهدف الذي يُعد أساس اللعبة، وهو ما يمنح اللاعب شعوراً ايجابياً لا مثيل له، وجد الحراس أنفسم يسيرون على درب زملائهم المهاجمين لعيش النشوة الكروية فارضين تميزهم في اختصاصاتٍ معينة ليتضاعف اعتماد فرقهم عليهم في اصابة الشباك على غرار المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تشكيل خط الدفاع الأخير. وحاز الحارس الباراغوياني خوسيه لويس شيلافرت شهرةً واسعة بسبب هجره الخشبات الثلاث لتنفيذ الركلات الحرة وركلات الجزاء بدقةٍ متناهية، كما تصدّر نظيره المكسيكي خورخي كامبوس العناوين العريضة بسبب نزعته الهجومية واندفاعه في الأوقات الحساسة لمؤازرة المهاجمين أمام مرمى الفريق الخصم، حتى إنه استغنى عن قفازاته في بعض المباريات ليشغل مركز رأس الحربة مع الفرق التي لعب لها.
وبعد اعتزال شيلافرت وكامبوس حمل البرازيلي روجيريو سيني راية “الحراس الهدافين” من دون أن يكسب الشهرة عينها لعدم اضطلاعه بدور أساسي مع منتخب بلاده على الساحة العالمية التي تعرّف عبرها عشاق الكرة إلى الأول من حمل شارة القيادة للمنتخب الباراغوياني في مونديال فرنسا 1998، والثاني الذي لعب الدور عينه مع المنتخب المكسيكي في مناسبات عدة. إلا أن مثابرة سيني في الأعوام الثمانية الماضية جعلته يتخطى شيلافرت بعدما نصّب الأخير نفسه أكثر الحراس تهديفاً في العالم برصيد 62 هدفاً، حتى حسم البرازيلي لغة الأرقام لمصلحته رافعاً رصيده إلى 64 هدفاً بتسجيله مرتين لفريقه أمام كروزيرو (2-2) ضمن الدوري البرازيلي.
ومما لا شك فيه أن أحداً لم يحسب عندما هزّ سيني الشباك للمرة الأولى، في مباراة ساو باولو ويونياو ساو جواو عام 1997، أن هذا الحارس الفارع الطول (1.90 م) سيكمل مسلسله التهديفي حتى تحطيم الرقم القياسي عبر بوابة الكرات الثابتة التي اشتهر بإتقانها أبناء بلاده. ويبدو أن دقة التصويب بالقدم اليمنى منحت سيني فرصاً عدة لممارسة هوايته مع فريقه ساو باولو، فنجح في ترجمة 41 ركلة حرة و23 ركلة جزاء إلى أهدافٍ حاسمة، إلا أن الصورة بدت مختلفة مع المنتخب البرازيلي (لعب 35 مباراة دولية) بسبب الوجود الدائم للمتخصصين في هذا المجال، ليبقى رصيده على الصعيد الدولي خالياً من الأهداف، وهو الأمر الذي يتفوق به شيلافرت عليه حتى الآن.
وتكنّ جماهير ساو باولو احتراماً كبيراً لقائد فريقها سيني (32 عاماً) حتى قبل دخوله كتب الأرقام القياسية، إذ إنه حفر اسمه بوصفه أحد اكثر اللاعبين الذين ارتدوا قميص هذا النادي العريق المعروف بتخريجه المواهب التي أبدعت مع المنتخب البرازيلي والنوادي الأوروبية التي لعبت لها، وكان آخرها لاعب وسط ميلان الإيطالي كاكا. وبات سيني الذي قاد فريقه لإحراز “كأس ليبرتادوريس” للنوادي الأميركية الجنوبية البطلة ثلاث مرات، أكثر اللاعبين تمثيلاً لساو باولو (انتقل اليه عام 1990) منذ أكثر من عام، إضافةً إلى انضمامه لنادي أبرز هدافي الفريق في “كوبا ليبرتادوريس”، التي تضم مولر وبالينيا وبدرو روشا.
وتقول بعض المصادر الإحصائية إن سيني سجل أهدافه الـ64 في 21 ملعباً مختلفاً وفي أربع قاراتٍ مختلفة. من البرازيل مروراً بالمكسيك والبيرو ووصولاً إلى اليابان، شرع سيني في تغيير مفهوم حراسة المرمى، جاعلاً من مركز الحارس أكثر فعالية على أرض الملعب، وقام بدور مزدوج لتعويض عدم التوفيق الذي لازم رفاقه بعض الأحيان حتى بدا لافتاً أن الفريق لم يخسر أي مباراة تمكن سيني من التسجيل فيها. ويبقى العام الماضي الأفضل في مسيرة “القاتل الصامت” الذي يتقدم بكل هدوء إلى منطقة الخصم ليصنع مأساة أقرانه الحراس. وحلّ سيني نهاية عام 2005 هدافاً لفريقه برصيد 21 هدفاً منحته ألقاب بطولة “باوليستا” و“كوبا ليبرتادوريس” وبطولة العالم للنوادي في اليابان التي شهدت اختياره أفضل لاعب في المباراة النهائية إمام ليفربول الإنكليزي (1-صفر).
ويتغنى سيني بأن أكثر الفرق التي تذوقت مرارة تسديداته القاتلة، كان بالميراس الغريم التقليدي لساو باولو، إذ سبق أن دكّ شباك الفريق الأخضر خمس مرات، منها ثلاث في مرمى الحارس المعروف ماركوس الذي تحوّل منافسه المباشر على القميص رقم 1 في المنتخب البرازيلي قبل مونديال 2002 حتى حسم المدرب لويز فيليبي سكولاري الأمر لمصلحة الأخير (كان سيني الحارس الثاني خلف ديدا في مونديال ألمانيا 2006، واقتصرت مشاركته على الدقائق العشرة الأخيرة من المباراة أمام اليابان)، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من أن يصبح أكثر اللاعبين أهمية في تاريخ أكثر النوادي الشعبية في “بلاد السامبا”.
(أ ف ب)