يقال أن الرياح تجري بما لا تشتهي السُفن، وفي رواية السَفن، والأخيرة بفتح السين معناها قبطان السفينة، وفي سفينة الرياضة الفلسطينية، قاد اللواء جبريل الرجوب سفينة الاتحاد الفلسطيني إلى خيبة أمل كبيرة. على أن من يعرف «الخيبات» الأمنية الطويلة التي جناها الرجل بعد 17 عاما قضاها داخل السجون الإسرائيلية و13 أخرى قضاها في المنفى (بعد خروجه في صفقة عام 1982)، ويعلم كيف أضاع ذلك خلال رئاسته جهاز الأمن الوقائي (1995-2002)، لن يستغرب ما جرى في الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، ولا حتى «رقصة السيف» والوجه البشوش الذي علا محيا الرجل.
«كيف لمن سلم المقاومين وعذبهم أن يواجه الإسرائيليين، ولو بالكرة؟»، سؤال بديهي يلقيه الشارع الفلسطيني غاضباً، حتى من أطياف داخل حركة «فتح» التي ينتمي إليها الرجوب وفاز في انتخابات قيادتها عام 2009، بعدما أخفق إخفاقاً مدوياً في الوصول إلى مقعد في المجلس التشريعي خلال انتخابات 2006. ولعل سهولة الهجوم على «اللواء» نابعة من أن تاريخه الأمني لا يعد لغزاً بين الأوساط الشعبية، فقد كانت الشاشات تبث مباشرة حصار الإسرائيليين لسجن بيتونيا في رام الله (2002)، حيث مقر «الأمن الوقائي» الذي كان يقبع فيه عشرات المعتقلين من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ممن سلمهم الرجوب إلى الإسرائيليين كي ينجو بنفسه، بل سحب منهم سلاحهم ومنعهم هم والحراس من مقاومة جيش الاحتلال.
حتى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي عادت لتغرق بمقاطع مرئية تخص الرجل، منها مكالمة نبشت من الأرشيف وهي مسجلة بعد اقتحام بيتونيا، وجرت بين الرجوب والقيادي البارز في «حماس» الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، وقد توسط لإجراء المكالمة قيادي في «حماس» (شاكر عمارة) ليقنع الرنتيسي برغبة «العقيد» ــ آنذاك ــ في التحدث إليه وتوضيح موقفه مما جرى حتى يدرأ عن نفسه شبهة «الصفقة» مع الاحتلال.

حتى صفحات
وسائل التواصل الاجتماعي عادت لتغرق بمقاطع مرئية تخص الرجوب

في المكالمة، بدا الرجوب مدافعاً عن موقفه وملقياً اللوم على قيادة السلطة، إذ قال حرفياً: «أنا ولا مرة كنت يعني بصنع قرار. أنا ضابط تنفيذي. ومن هون أي محاكمة يعني بدها تصير أو مساءلة بدها تصير للي حصل، يجب أنها تكون من هذا الموقع». فهل كرر التاريخ نفسه، وهل يعمل الرجوب بصفته التنفيذية؟ تبدو الإجابة صعبة في هذا الوقت، وخاصة أن الروايات تتعدد، منها ما تقول إن ضغطا ألمانيا ــ أوروبيا بالعموم ــ وكنديا جرى في اللحظات الأخيرة على الرجوب كي يسحب الاعتراض على عضوية إسرائيل، وأخرى تذهب إلى أن الخليجيين وبخاصة القطريين ــ الذين أسعفوه يوم تعرض لجلطة في كانون الأول 2010 ــ هم من ضغطوا عليه لأمرين: الأول سحب الاعتراض، والثاني التصويت لجوزيف بلاتر بدلا من رئيس الاتحاد الأردني، الأمير علي بن الحسين، وثالثة تقول إن القرار كان فلسطينيا وفق تقدير واضح من رئاسة السلطة لمخاطر أي «إنجاز» قد يحصل عليه الفلسطينيون على حساب إسرائيل.
وسط ذلك، لم تقف «حماس» صامتة على ما جرى، رغم أنها لا تعلق كثيراً على القضايا الرياضية الفلسطينية، ولكنها نبشت شيئاً من تاريخه معها، وخاصة أن تصريحاته في الشأن السياسي أخيراً لم تختلف فيها «لذاعة» لسانه عن المتحدثين باسم «فتح» ممن لا تطيقهم «حماس» كجمال نزال وأحمد عساف؛ إذ علق المتحدث باسم «حماس» عبر صفحته على «فايسبوك» بالقول إنه «رغم نفي جبريل الرجوب إلى الخارج من جهاز المخابرات ــ الشاباك، فإن العلاقة بينه وبين رموز هذا الجهاز لم تنته، فقد كان على صلة مستمرة مع الجنرال يعقوب بيري رئيس جهاز الشاباك الأسبق، الذي يفتخر في كتبه ومذكراته بعلاقاته الحميمة مع الرجوب»، مطالباً الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة بـ«استقبالة بالأسلوب الذي يستحق».
وإن كان «اللواء»، الذي يحب الاحتفاظ بلقبه العسكري في مراسلات الاتحاد الفلسطيني للكرة، قد نجا بجسده من الاعتقال أو الموت على يد الإسرائيليين قبل أكثر من عشر سنوات، فإنه اليوم لن ينجو من نظرات الفلسطينيين والعرب ممن يحملونه مسؤولية «الذل» الذي جرى في «الفيفا»، وفوقه مصافحة نظيره الإسرائيلي، عوفر عيني، وهو مبتسم بشوش، فيما كان عوفر متجهم الوجه وهو يشد على يدي الرجوب، كأنه حتى غير راض عن فكرة أن «اللواء» حاول الاقتراب من خط أحمر.

تفاصيل محضر اجتماع بين أمير قطر تميم بن حمد وجبريل الرجوب

رابط المكالمة بين جبريل الرجوب وعبد العزيز الرنتيسي عام 2002






الرجوب لم يدخل صالة كبار الضيوف في عمان

سمحت السلطات الأردنية للواء الفلسطيني جبريل الرجوب ــ الذي يحمل الجنسية الأردنية ــ بـ«العبور الفوري» من مطار الملكة علياء في عمان إلى معبر الملك حسين الواصل إلى الضفة المحتلة، يوم أمس، وسط حراسة أمنية. وكانت وساطات قد جرت للسماح للرجوب بالرجوع إلى الضفة بعد رفض تونس عودته على الطائرة نفسها، ولكنه غادر إلى المعبر دون دخول قاعة صالة كبار الضيوف التي كان يرتادها كل مرة، أو حتى السماح له بدخول العاصمة الأردنية.
وعلم أن دائرة المتابعة والتفتيش قد خاطبت دائرة الأحوال المدنية في المملكة للاستفهام حول حصول الرجوب على الجنسية الأردنية، فيما قالت النائب هند الفايز إن ثمة دعاوى تحث على سحب الجنسية من الرجوب لكنها ليست مع هذه الخطوة «لأهمية قيمة الجنسية».
(الأخبار)