اعتادت مدينة ليفربول، العاشقة للكرة حتى الذوبان، والتي تتنفس كرة، أن تحظى بملهم لجماهير فريقها "الريدز". كان ذلك مع الويلزيين إيان راش وروبي فاولر ومايكل أوين وستيفن جيرارد والإسباني فرناندو توريس والأوروغواياني لويس سواريز. لكن هذه المرة، فإن المدينة الإنكليزية وقعت في حب مدرب وليس لاعب. مدرب أعاد الحياة إلى ملعب "أنفيلد رود"، وزرع البسمة على الوجوه. ها هو الألماني يورغن كلوب يمشي كبطل في ليفربول. بطل أوحد تقف المدينة بشيبها وشبابها مصفقة له، وتزداد يوماً بعد يوم عشقاً له.كانت التوقعات عند قدوم كلوب إلى ليفربول بعد فترة من انقضاء الموسم الماضي تشير إلى أن هذا المدرب سيصنع شيئاً ما في "أنفيلد"، لكن لم يكن أحد ليتصور أن يكون ذلك بهذه السرعة التي حصلت.
يبدو التطور
واضحاًعلى لاعبي ليفربول في الموسم الحالي

ملامح التغيير بدت في الموسم الماضي، لكنها ترسخت أكثر في الموسم الحالي، حيث تبدو بصمة الألماني واضحة على الفريق الإنكليزي الذي انقلب تحت قيادته رأساً على عقب، وبدأ باستعادة أيامه الخوالي.
ليست النتائج التي يحققها ليفربول ضد فرق المقدمة، على أهميتها، تثبت وحدها تطوره والتحول الذي طرأ عليه، إثر التغلب على أرسنال خارج ملعبه 4-3 والتعادل أمام توتنهام خارجه أيضاً 1-1، بعد أن كان متقدماً حتى الدقائق الأخيرة، واكتساح ليستر سيتي حامل اللقب في "أنفيلد" 4-1، وأخيراً الفوز مساء الجمعة على تشلسي في عقر داره 2-1، بل إن الأداء الساحر الذي يقدّمه الفريق من خلال الكرة الممتعة والهجومية الممهورة بالانضباط التكتيكي هو الأهم.
والأهم أكثر أيضاً، أن كلوب يصنع كل ذلك، رغم أنه لا يملك نوعية اللاعبين أو بالأحرى الأسماء الكبيرة الموجودة في فرق الطليعة الأخرى، إذ إن أبرز لاعبيه مثل دانيال ستاريدج والبرازيليين فيليبي كوتينيو وفيرمينو، لا يرقون إلى حجم نجومية ما تحويه صفوف الفرق المنافسة، وحتى أن الألماني لم يطلب في سوق الانتقالات الحصول على الأسماء الكبيرة بل كان هدفه، منذ قدومه، العمل على التشكيلة الموجودة وصقلها ونقل فكره التكتيكي المتّقد إليها، وهذا ما تجسّد على سبيل المثال في المباراة أمام تشلسي، حيث بدا التطور واضحاً على أداء معظم اللاعبين مثل كوتينيو وآدم لالانا وجيمس ميلنر وناثانيال كلاين والقائد جوردان هندرسون الذي سجل الهدف الثاني بتسديدة رائعة تُعَدّ من الأجمل منذ انطلاق الموسم، بعد أن افتتح الكرواتي ديان لوفرين التسجيل، فضلاً عن الوافد الجديد السنغالي ساديو ماني، وقد كان هؤلاء وزملاؤهم كخلية نحل تعمل بانتظام وبتفانٍ للقميص التاريخي لليفربول.
ما نجح فيه كلوب بالدرجة الأولى، وقبل العمل التكتيكي الضليع به هذا المدرب مذ كان يشرف على بوروسيا دورتموند في بلاده وأوصله إلى صفوة الأندية الأوروبية، هو الجانب الذهني لدى لاعبيه وضخّهم بالحماسة والاندفاع، وهذا ما وصل إليه من خلال قربه منهم والذي تعكسه فرحته بعد انتهاء المباريات واقترابه من لاعبيه فرداً فرداً واحتضانهم، وهذا جانب نفسي ومعنوي لا شك ذو أهمية كبيرة. لكن هذه الشخصية المحببة للألماني لا تلغي أن خلفها شخصية قوية وحازمة يعرف هذا المدرب متى يظهرها.
ما يصنعه كلوب في ليفربول جدير بالمتابعة طبعاً، إذ ليس سهلاً أن يكسب أحدهم قلب هذه المدينة، وهذا ما تظهره الهتافات المتكررة لجماهير "الريدز" باسم الألماني خلال المباريات. أما طلبه منها أن تكفّ عن ذلك حتى صافرة النهاية لكي لا يتشتت تركيز اللاعبين على حدّ قوله، فيبدو أنه لن يلقى آذاناً صاغية لدى جماهير باتت مسحورة بهذا المدرب.