20 عاماً مرت على وصول الفرنسي أرسين فينغر إلى لندن لتدريب أرسنال. 20 عاماً تغيّر فيها كل شيء في ملاعب إنكلترا إلا فينغر. في مثل هذا اليوم، تسلم الفرنسي منصبه رسمياً لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ نادي "المدفعجية" لا تزال مستمرة حتى الآن. "من هو أرسين؟" كان هذا عنوان صحيفة "إيفينينغ ستاندار" الإنكليزية عند تسلم فينغر مهماته في أيلول 1996، فيما تساءل المدرب التاريخي لمانشستر يونايتد حينها، الإسكوتلندي أليكس فيرغيسون: "ما الذي يعرفه مدرب فرنسي قادم من اليابان؟".
لكن فينغر عرف الكثير وغيّر الكثير، وتحوّل إلى أحد أبرز المدربين الذين مرّوا على تاريخ الدوري الإنكليزي الممتاز. تمكن من ترك بصمته سريعاً بعد عام بقيادته "الغانرز" إلى لقب "البريميير ليغ"، وبدأت، منذ ذلك التاريخ، حكايات النجاح التي تكللت بثلاث بطولات دوري والوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2006، فضلاً عن أنه قاد الفريق إلى التأهل في 20 سنة إلى البطولة القارية الأهم على مستوى الأندية. كما أن أرسنال لم يحتل ترتيباً أقل من المركز الرابع في "البريميير ليغ" طوال هذه السنوات.
سنوات عشرون شكل فيها فينغر حالة خاصة لا يشبهها أحد، بدءاً من شخصيته الهادئة حيث يصعب رؤية الفرنسي وهو يعبّر عن انفعالاته ومشاعره أثناء المباريات على عكس الكثير من المدربين، وهنا لم يفت النجم الفرنسي السابق روبير بيريس، الذي حقق نجاحات لافتة تحت قيادة مواطنه، من القول أمس إنه لم يشاهد فينغر غاضباً إلا مرة واحدة في المباراة الشهيرة في شباط عام 2001 عندما خسر "الغانرز" أمام مانشستر يونايتد، حيث كاد فينغر يكسر كل شيء أمامه في غرفة تبديل الملابس بين الشوطين عندما كانت النتيجة 5-1 بحسب قوله.
لكن الأهم من ذلك أن "البروفسور" أحدث ثورة حقيقية في الكرة الإنكليزية لا تتوقف فقط على الكرة الجميلة التي يقدمها أرسنال، بل اعتماده على استقطاب الناشئين وصنع نجوم منهم؛ ابتداء من مواطنه نيكولا أنيلكا عام 1997 في سن الـ 17 عاماً وليس انتهاءً بالإسباني هكتور بيليرين حالياً، وهذا ما عاد بالفائدة على "الغانرز" من الناحيتين الفنية والمادية بعد بيع هؤلاء اللاعبين بأضعاف الأسعار التي تمّ التعاقد معهم بها.
كذلك، فإن النجاح الذي حققه فينغر سريعاً فتح الباب أمام قدوم المدربين الأجانب إلى "البريميير ليغ" الذي كان معتاداً فقط على مدربين اسكوتلنديين من خارج إنكلترا، وإذا بالقائمة تطول بعد تجربة الفرنسي مثل مواطنيه جيرار هوييه وجاك سانتيني وجان تيغانا والإيطاليين جانلوكا فيالي وكلاوديو رانييري وكارلو أنشيلوتي وروبرتو مانشيني والإسبانيين رافايل بينيتيز وروبرتو مارتينيز وغوسيب غوارديولا والبرتغاليين جوزيه مورينيو وأندريه – فياش بواش، فضلاً عن مدربين وصلوا من أميركا الجنوبية مثل التشيلياني مانويل بيلليغريني والأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو وغيرهم.
ولم تتوقف ثورة فينغر في الكرة الإنكليزية عند هذا الحدّ، إذ إنه كان عاملاً في تدفق اللاعبين الأجانب إلى "البريميير ليغ". ويكفي للدلالة على ذلك أنه كان أول مدرب يشرك تشكيلة أجنبية بالكامل في المباراة أمام كريستال بالاس في 14 شباط 2005 وهذا ما كان يستحيل تصوره في إنكلترا عند قدوم الفرنسي عام 1996، غير أن تحقيقه 3 بطولات دوري كانت كفيلة بتغيير المعادلات.
لكن هذا لا يمنع من أن هذه السنوات العشرين تقسم إلى حقبتين: الأولى منذ 1996 حتى 2006 والثانية منذ 2006 حتى 2016. الأولى في ملعب "هايبيري" والثانية في ملعب "الإمارات". الأولى كانت مليئة بالبطولات والإنجازات، والثانية شهدت تراجعاً للفريق وصل في العامين الماضيين إلى رفع لافتات تطالب برحيل فينغر. هذا الرحيل سيأتي يوماً ما حتماً، لكن مهما كانت كيفيته فإنه لن يلغي أن هذا المدرب الفرنسي قدّم الكثير للندن، لا بل لكل إنكلترا.