عندما فازت إسبانيا بلقب كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها عام 2010، خرجت الصحف المحلية في اليوم التالي لتمجد "الوحدة الإسبانية" التي افتقدتها البلاد منذ ثلاثينيات القرن الماضي التي شهدت اقسى حربٍ اهلية هناك (1936-1939). وحتى الصحف المدريدية التي اعتادت التصويب على نجوم فريق برشلونة الكاتالوني ذهبت الى الاشادة بالدور الذي لعبته العناصر القادمة من كاتالونيا في صناعة المجد لاسبانيا برمّـتها، وعلى رأسها "الرسام" أندريس إينييستا الذي سجل عامذاك هدف الفوز في المباراة النهائية امام هولندا.
ظن الإسبان أن "وحدتهم" ستتحقق بعد فوزهم بالمونديال
الأمور لم تتوقف عند هذا الحدّ، إذ واظبت المحطات التلفزيونية الرسمية على نقل المشاهد من الشوارع في كاتالونيا وبلاد الباسك، وهما الإقليمان اللذان لطالما طالبا باستقلالهما عن حكومة مدريد. مشاهد رفع الاعلام الاسبانية احتفالاً بالنصر الكبير، وتصويب على ان اسبانيا لم تشهد يوماً هذه الوحدة او هذا الظهور الكبير للاعلام الوطنية في كافة ارجائها منذ زمنٍ طويل. هنا آمن البعض بأن المنتخب الاسباني قد يكون حجر الاساس في تنفيس الاحتقان السائد في بعض الشوارع، وتحديداً الشارع الكاتالوني حيث اعتاد الآلاف على التظاهر مطالبين بالاستقلال.
لكن هذا المشهد لم يكن سوى حالة مؤقتة ولو ان اسبانيا ذهبت لتضيف لقباً اوروبياً آخر بعد عامين، اذ ان من نشأ على مبادئ سياسية واجتماعية منذ الصغر لا يعرف الخروج منها بتلك السهولة التي يعتقدها البعض.
وهذا الامر ينطبق تماماً على مدافع برشلونة جيرارد بيكيه الذي بالتأكيد ما فعله اخيراً كان متعمداً عندما ازال العلم الاسباني عن اكمام قميص المنتخب، وفيه اشارة واضحة الى عدم قبوله فكرة الخضوع لحكم العرش. بيكيه بطبيعة الحال لم يوفّر اي مناسبة الا وجاهر فيها بدعمه لاستقلال كاتالونيا كغيره من كبار الاسماء هناك، امثال المدرب جوسيب غوارديولا وشافي هرنانديز وغيرهم. لكن الفارق ان بيكيه ذهب الى "التطرّف" في هذا الموضوع لشدّة تعصبه، ما جعل الجماهير الاسبانية تطلق صافرات الاستهجان بحقه، وهو الذي قال يوماً ان احد اسباب تركه لمانشستر يونايتد الانكليزي وعودته الى ناديه الأم كانت المهمة الوطنية التي تنتظره في الاقليم الذي ولد فيه.
وبيكيه ليس الوحيد الذي يعاني ازمة هوية وطنية على الصعيد رغم تمثيله لمنتخب بلاده وحصده الالقاب معه، فقد برزت الى العلن حالات عدة اخيراً يمكن حصرها ضمن هذا الاطار، ولعل ابرزها ما فعله لاعبون عدة تعود اصولهم الى اقليم كوسوفو الذي استقل ودخل كنف الاتحادين الدولي والأوروبي للعبة، اذ ذهب هؤلاء الى المطالبة بالتحرّر من منتخباتهم والتحوّل لتمثيل منتخب الاقليم، وعلى رأسهم نجم المنتخب السويسري غرانيت شاكا.
كذلك، برزت حالات مشابهة مع منتخبات اوروبية اخرى، امثال المنتخب الالماني حيث حكى نجمه مسعود اوزيل علناً عن تعلّقه بأصوله الكردية متمنياً لو ان كردستان تملك منتخباً أيضاً، في اشارة واضحة الى انه كان ليفكر في اختيار هذا المنتخب على حساب "المانشافت". وهذه المسألة اصلاً برزت في حالات عدة في بلاد "البوندسليغا"، ومع لاعبين من اصول تركية ولدوا ونشأوا كروياً في المانيا لكنهم اختاروا منتخبات ارض الاجداد متنكرين لهويتهم الوطنية الكروية، امثال نوري شاهين وهاكان تشالهانوغلو وغيرهم.
كما برزت حالات معاكسة كاختيار الجزائري الاصل نبيل فقير تمثيل فرنسا بعد مدٍّ وجزر بين بلده الام وبلد النشأة، وفي هكذا خيار نعلم سبب التزام بعض اللاعبين بمنتخبات وطنية رغم عدم انتمائهم الفعلي لها قلبياً، فهي بطبيعة الحال تشكّل منصة بالنسبة اليهم لقطف النجومية بدلاً من الاكتفاء بالمواقف الوطنية التي لا تغني في عالم الكرة.