في 29 نيسان 2014، كان ريال مدريد حاضراً بنحو مثالي قبل مواجهته مع بايرن ميونيخ في «أليانز أرينا». كان حاضراً، أقله ذهنياً ومعنوياً. فالفريق الملكي عاش عامذاك هوساً اسمه «لا ديسيما» أو الكأس العاشرة، وكان مستعداً لالتهام أو قتل أي أحد يعترض طريقه في سبيل تحقيق هدفه... وهكذا حصل عندما حلّ الفريق الإسباني ضيفاً على نظيره الألماني، فحقق فوزه الوحيد في ميونيخ، لكن بأي نتيجة؟ برباعية نظيفة أجهزت على البافاريين، وصدمت جمهورهم الكبير حول العالم.
والسؤال المطروح اليوم: هل بإمكاننا الحديث عن سيناريو متكرر في مباراة الليلة؟
العودة إلى مشهد تلك الأمسية القاسية على البافاريين يعيدنا إلى الحديث عن سبب تلك «الفاجعة»، وهو المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا، الذي قرّر ــ بعد الخسارة بهدف وحيد ذهاباً ــ الغوص في مغامرة هجومية، ففتح ملعبه ودفع الثمن غالياً، وتلقى درساً من نظيره الإيطالي كارلو أنشيلوتي، سيحمله من دون شك معه حتى نهاية مسيرته التدريبية.
السيناريو لن يتكرر، ولو أن المعنويات عالية جداً في العاصمة الإسبانية، لسببٍ بسيط، هو أن أنشيلوتي أصبح في المقعد التدريبي المقابل، وهو يعرف تفاصيل الفريق الذي سيواجهه، لكونه وضع أُسسه قبل عامين، لا بل إنه يعرف الأفكار التي سيخرج بها منافسه الفرنسي زين الدين زيدان، وهو الذي لقّنه معظمها أيام كان الأخير مساعداً له في الريال.
وقد يقول البعض إن «زيزو» يملك أفكاره أيضاً، وإن الريال تغيّر كثيراً، لكن الحقيقة أنه لم يمضِ زمن كبير على ترك أنشيلوتي للنادي الملكي، وبالتالي فإن النهج المعتمد لا يزال هو نفسه. كذلك، لا ضير من القول إن المقاربة الفنية التي يعتمدها النجم الفرنسي السابق ليست بعيدة أبداً عمّا كان يعتمده الإيطالي، وأصاب النجاح الكبير من خلاله.
اليوم قد لا يبدو البايرن ممتعاً كما كان أيام غوارديولا، لكنه يظهر بشخصية مهيبة بنحو أكبر مع أنشيلوتي، والأمر الذي لا يفترض أن ينساه لاعبو الريال لدى دخولهم إلى «أليانز أرينا» الليلة، أن «بيب» لم يعد هناك، وبالتالي لا شك في أنَّ مدربهم السابق قد زرع ألغاماً على المستطيل الأخضر قبل أن تطأه أقدامهم.
قد يكون ريال مدريد محظوظاً لأن بايرن يعاني مشاكل مع الإصابات التي ستغيِّب قلب الدفاع الأهم ماتس هاملس، والجناح البرازيلي النشيط دوغلاس كوستا، مع شكوك أيضاً وردت في الصحافة الألمانية حول مشاركة الحارس مانويل نوير والهداف البولوني روبرت ليفاندوفسكي. لكن رغم أن الحظ الذي وقف كثيراً مع الطرف الإسباني دونه الألماني في الأعوام القريبة الماضية، يبقى البافاريون قادرين على قهر النحس الذي لازمهم. والواضح أن الإحباط لم يصب تشكيلة أنشيلوتي، لا بل إن جرح 2014 لا يزال مفتوحاً، وتاركاً أثراً في نفس كل واحد من اللاعبين الذين عاشوا تلك المذلة.
وفضلاً عن أنشيلوتي، فإن المسألة المذكورة هي أكثر ما يخيف الريال الليلة، لأنه يعرف شراسة فريقٍ مثل بايرن الذي لا يلدغ عادة من الجحر مرتين، والذي لطالما حقق تفوّقاً تاريخياً على ضيفه في ميونيخ، حيث حقق 9 انتصارات، مقابل تعادل وحيد وخسارة وحيدة.
أضف أن الريال لم يظهر في «التشامبيونز ليغ» هذا الموسم بنفس الجوع الذي بدا عليه قبل 3 أعوام، بعكس بايرن الذي عكس صورة عن شخصية فريق يستمتع بأسلوبه الفعال، بحيث إنَّ اللعب مع أنشيلوتي أصبح مباشراً بنحو أكبر، وفيه التوازن، فهناك أكثر من لاعب يشغلون دوراً حرّاً (ليفاندوفسكي، وأريين روبن وفرانك ريبيري)، وأكثر من لاعب يلتزمون أدوارهم من دون أن يخرجوا عن النص (الإسبانيان تياغو الكانتارا وشابي ألونسو والتشيلياني أرتورو فيدال).
خلاصة القول أنه رغم كل الظروف، إذا لم يفز بايرن على الريال الليلة، فإنه لن يتأهل أبداً.