وصل قطار كأس القارات إلى محطته الأخيرة في سان بطرسبورغ بعد أن ترجل منه الجميع وبقي المنتخبان الألماني بطل العالم والتشيلياني بطل أميركا الجنوبية وحدهما ليقفا وجهاً لوجه في المباراة النهائية غداً الساعة 21,00 بتوقيت بيروت.كلام كثير يمكن أن يُقال في هذه المواجهة الأوروبية – الأميركية الجنوبية، وكذلك في رحلة طرفيها حتى النهائي.

المؤكد أولاً أن هذين المنتخبان استحقا الحضور في المشهد الختامي للمرة الأولى في تاريخهما، ذلك أنه بغضّ النظر عن مشوارهما في دور المجموعات، فإن المهم أنه عندما «حمي الوطيس» في نصف النهائي أظهر الاثنان قوتهما وجدارتهما بحيث تخطت تشيلي البرتغال عن استحقاق، إذ رغم فوزها بركلات الترجيح، إلا أنها كانت الأكثر خطورة وسيطرة في المباراة، وتمكنت من تعطيل «الدون» كريستيانو رونالدو الذي كانت معظم التوقعات تشير إلى أنه سيصعد بمنتخب «برازيل أوروبا» إلى النهائي، أما بالنسبة إلى «المانشافت» فتكفي نتيجة 4-1 على منتخب مثل المكسيك لتأكيد أحقيته في لعب المباراة الختامية.
والمؤكد أيضاً أن روسيا حظيت بختام مميز لبطولتها بين منتخبين من الطراز الرفيع - وإن كان الفارق بين إنجازاتهما كبيراً، لكن تشيلي تعَدّ حالياً من المنتخبات القوية في العالم، ويكفي القول إنها تتزعم قارة أميركا الجنوبية أمام الكبيرين البرازيل والأرجنتين – إذ لو كانت المكسيك هي خصمة تشيلي، لكان النهائي أقل شأناً وجماهيرية.

مستوى متقارب
بين المنتخبين رغم الفارق
في الخبرة بينهما


لكن هذا لا يمنع من القول إن لكل من ألمانيا وتشيلي قصته وميزاته المختلفة التي بدت معالمها واضحة في هذه البطولة.
ففي الجانب الألماني لا يمكن إلا القول إن ما يفعله هذا المنتخب الشاب يفوق الوصف ويصل إلى حد الإعجاز الكروي، إذ حتى مدربه يواكيم لوف الذي غامر بهذه التشكيلة لم يكن يتصور أن يتحقق ما تحقق حتى الآن، والذي يُعَدّ نجاحاً باهراً مهما كانت نتيجة المباراة النهائية، ولو خسرها «المانشافت» الصغير بنتيجة قاسية، وهذا ما ذهب إليه مساعد لوف النجم السابق والهداف التاريخي للمونديال ميروسلاف كلوزه، الذي اعتبر حتى قبل المباراة أمام المكسيك أن «الهدف المنشود تحقق»، هذا الهدف الذي أمكنت رؤيته في فرحة لوف خلال مباراة نصف النهائي وابتسامات مدير المنتخب الهداف السابق أوليفر بيرهوف لحظة تسجيل الأهداف في الشباك المكسيكية.
بالفعل، لا يُصدَّق ما قدمه الألمان حتى الآن، ليس على صعيد النتائج فحسب، بل لجهة الأداء المميز. «المانشافت» سار في خط تصاعدي في البطولة، حيث تطور أداؤه رويداً رويداً حتى وصل إلى القمة في مباراة المكسيك، إذ ليس عابراً أن يدك هؤلاء الشبان الشباك المكسيكية برباعية ملونة لم تخل من متعة الكرة وسلاستها وسهلها الممتنع. ليس عابراً أن هؤلاء الشبان الذين خاضوا مباريات قليلة تُعَدّ على أصابع اليدين، وكثير منهم خاضوا مباريات بعدد أصابع اليد الواحدة، أسقطوا خصومهم المكسيكيين أصحاب الباع الطويل والتجربة الغنية، إذ يكفي فقط ذكر رافاييل ماركيز البالغ من العمر 38 عاماً الذي خاض 143 مباراة دولية، وشارك في بطولة كأس العالم 4 مرات وارتدى قميص برشلونة، فيما لا يقلّ عنه شأناً زميله خافيير هرنانديز «تشيتشاريتو» الهداف التاريخي لمنتخب بلاده بـ 48 هدفاً والذي ارتدى قمصان ريال مدريد ومانشستر يونايتد وباير ليفركوزن.
اللافت في اللاعبين الألمان، الثقة المرتفعة التي لعبوا بها المباريات الأربع، وتمتعهم بالانضباطية العالية التي جعلت من المستحيل تفريقهم عن المنتخب الأساسي أو المنتخبات الألمانية السابقة. ما فعله هؤلاء الشبان أنهم أظهروا احترامهم وتقديرهم للقميص الأبيض التاريخي ذي النجوم الأربع الذي يرتدونه، فقدموا فوق قدراتهم، وكانوا على قدر المسؤولية الملقاة فوق أكتافهم. كذلك يلفت أيضاً على الصعيد الفني القوة الهجومية التي أظهرها هذا المنتخب على غرار ما تقدمه ألمانيا في البطولات الكبرى، حيث سجل 11 هدفاً في أربع مباريات فقط، وهذا رقم رائع.
على المقلب الآخر لم يقدم منتخب تشيلي ما كان متوقعاً منه في دور المجموعات، لكنه قلب الصورة وعوّض تماماً في موقعة نصف النهائي أمام البرتغال التي أظهر فيها اللاعبون التشيليون معدنهم كمحاربين أشداء يصعب مقارعتهم والوقوف بوجههم، وهذه هي ميزة «لا روخا» الذي يُعَدّ استثنائياً في قارة أميركا الجنوبية من خلال مزجه بين القوة في الأداء والمهارة. ولعل التشيليين اكتسبوا كثيراً من هذه القوة من خلال خروجهم من بلادهم وانتشارهم في الدوريات الأوروبية الكبرى التي تولي الجانب البدني والأداء القتالي أهمية كبيرة.
لا شك في أن لوف وخوان أنطونيو بيتزي مدرب تشيلي عكفا منذ اللحظة الأولى لانتهاء نصف النهائي على دراسة كل تفاصيل مباراة منتخبيهما الأولى في دور المجموعات التي انتهت بالتعادل 1-1، إذ إن هذه التفاصيل قد تكون حاسمة في مواجهتهما المرتقبة غداً، نظراً إلى التقارب الشديد في المستوى. هي مواجهة بين منتخب مقاتل وآخر محارب، بين منتخب تكتيكي وانضباطي وآخر مهاري وحماسي، بين لاعبين طموحين وآخرين حالمين، وبين هذا وذاك يقف حارسان مميزان قد تكون لهما كلمتهما، هما الألماني مارك - أندريه تير شتيغن والتشيلياني كلاوديو برافو، اللذان يتواجهان مجدداً بعد صراعهما على مركز الحارس الأساسي لبرشلونة الذي آل إلى الأول.
غداً العرس الكبير الختامي على الأراضي الروسية. ثمة فائز في النهاية، لكن المشترك بين المنتخبين أن كليهما قد فاز مسبقاً، فالألمان لن يضيف الكثير إلى تاريخهم الحافل لقب القارات، بل إن التجربة بحد ذاتها والاحتكاك بمنتخبات الصف الأول واكتساب الخبرة استعداداً للمونديال هو الأساس. أما التشيليون، فوصولهم إلى النهائي هو الإنجاز.