«الأمر لا يرتبط بشخصٍ واحد. يجب أن تتخطى نفسك وتعلم أنك تحتاج إلى مجموعة لتحقيق المطلوب». هي إحدى العبارات التي رسّخها المدرب الأميركي الشهير غريغ بوبوفيتش في تاريخ كرة السلة، وباتت أمثولة، لا بل درساً لمن ينشد النجاح اللامحدود في عالم المستديرة البرتقالية.
المدرب الأسطوري لسان أنطونيو سبرز، لم يكن يرمي في كلماته الذهبية هذه إلى أولئك اللاعبين الذين يدفع بهم إلى أرض الملعب كأساسيين أو بدلاء، بل ذهب كلامه أبعد من ذلك في ترجمته لكيفية قطف الانتصارات والألقاب، إذ كان يربط ما يحصل في الملعب بما يُعمل عليه في المكاتب، فالإدارة والتدريب ومجهود اللاعبين هي الأساسيات التي لا يمكن نزع إحداها من التركيبة الناجحة.
وكلام بوبوفيتش، بلا شك، يمكن الانطلاق منه لوصف سبب نجاحات النادي الرياضي في العصر الحديث للعبة، إذ لا يختلف اثنان على أن النادي البيروتي طبع اللعبة بطابعه الخاص محلياً، وممثلاً مشرّفاً دائماً للبنان، حتى قبل انتصاره الآسيوي الأخير.
الرياضي ببساطة هو الأمثولة الناجحة لنادٍ رياضي بشكلٍ عام، لا في كرة السلة فقط. نادٍ لا يتوقف عند لاعب أو مدربٍ أو أي ظرفٍ من الظروف القاهرة التي تواجهه، والتي بعضها كان للأسف موجّهاً ضده من قِبَل أعداء النجاح، وأولئك الذين يفكرون في مصالحهم وحساباتهم الضيّقة قبل أي شيء آخر.

إنجاز الرياضي يغطي عورات كرة السلة اللبنانية إدارياً وفنياً


أقروا ثلاثة لاعبين أجانب، فردّ مبقياً كأس بطولة لبنان في خزائنه سنةً تلو الأخرى. أقروا حرمانه المشاركة في بطولة الأندية العربية، فردّ بالكأس الآسيوية التي تغطي اليوم عورات كرة السلة الإدارية والفنية في أندية ومنتخبات ومكاتب مختلفة.
وهذا الكلام ليس تجنّياً أو دفاعاً، بل عرضٌ لواقعٍ يمكن أخذ الدروس والعبر منه لرمي الأفكار المحدودة والانطلاق مما بناه الرياضي إلى طموحات لا حدود لها ولا تنحصر بالتغني باستضافة كبيرة من هنا أو منصب دولي من هناك، ولا تنحصر بالبيانات الإعلامية والصور المرفقة معها أو بالاستعراضات التلفزيونية.
البذور الناجحة لبطل لبنان وآسيا وضعتها إدارة تشبه كل الإدارات في الأندية الرياضية اللبنانية، لكن الفارق بينها وبين غيرها هو واقعيتها أولاً، ودرايتها في التعامل مع الأزمات التي لا تفارق أي نادٍ أصلاً، فرغم ما طفا إلى العلن أخيراً من مشكلة مستجدة، فإن رؤوس الحربة في إدارة الرياضي عرفوا دائماً كيفية تذويب مشاكلهم الداخلية داخلياً وعدم إبرازها إلى العلن. وهذه النقطة هي مهمة في إحاطة الفريق ولاعبيه بنوعٍ من الراحة النفسية التي لا تشتّت تركيزهم عن المباريات. أضف أن أي لاعب مرّ في الرياضي يمكن أن يخبر عن قرب تلك «الرؤوس» من اللاعبين، فأشخاص مثل تمام جارودي ومازن طبارة هم بمثابة الإطفائيين المطلوبين في أي نادٍ حتى تبقى الأمور تحت السيطرة والساحة خالية من أي حريقٍ قاتل.
أما إذا سألت أي مدربٍ عن فترة تجربته في الرياضي، فيأتيك الجواب: «عملت مع أشخاص يفهمون بالباسكت». وهذه الميزة جرّت معها أساس النجاحات الفنية، أي اللاعبين المميزين، إذ لا يبدو أن الرياضي بحاجة إلى أي لاعب، بل إن كل لاعب لبناني بحاجة إلى فريقٍ مثل الرياضي لكي يخرج كل إمكاناته ويضع لقباً في سيرته الذاتية، والمثال الأبرز على هذا الأمر الوافدان الجديدان، حسين الخطيب وتشارلز تابت.
أما الضلع الثالث في إنجازٍ يمكن توقعه دائماً في كل مرة يطل فيها الرياضي على الساحة الخارجية، فهو المدرب أحمد فرّان، الذي ردّ على الجرأة والشجاعة الإدارية بتعيين مدربٍ محلي شاب، بقيادته الفريق إلى اللقبين المحلي والقاري، في خطوةٍ تعدّ انتصاراً للمدرب اللبناني وتثبت مدى حجم فشل القيّمين المتعاقبين على لعبةٍ لم يعرفوا الاستفادة من أفضل كوادرها الإدارية وأفضل لاعبيها ومدربيها، فكان الفشل الذريع الذي لن يفارقهم يوماً.