لا يكاد يمرّ أسبوع في الدوري اللبناني دون تطيير هذا المدرب أو ذاك، أو الحديث عن اقتراب إقالة آخر من منصبه. هي ظاهرة يراها الخبراء غير صحية، لكنها باتت منتشرة بكثرة في الأندية اللبنانية حيث يبدو المدربون كأنهم الحلقة الأضعف و"فشّة الخلق" عند كل نتيجة سلبية.
أمس، حملت الأخبار الصباحية إقالة الأنصار للمدرب الألماني روبرت جاسبرت، ليكون ثاني المدربين الذين يفكّ معهم ارتباطه بعدما كان قد بدأ تحضيراته للموسم الجديد بقيادة المدرب الوطني إميل رستم.
ومن عند جاسبرت تبدأ الأسئلة حول إذا ما كانت خطوات الإقالة صحيحة من قبل الأندية اللبنانية، إذ إن الألماني قدّم مقاربة تكتيكية رائعة في مستهل المشوار، وترجمها بانتصارين كبيرين على طرابلس والنجمة (5-1)، لكن فجأة أصبح المذنب، فهل هو فعلاً استحق الإقالة؟
الإجابة قد لا تكون صعبة لمن تابع المباريات الثلاث الأخيرة للفريق الأخضر، إذ بدا جليّاً هبوط مستوى عددٍ لا يستهان به من اللاعبين، وعلى رأسهم الثنائي السنغالي الحاج مالك وتالا نداي، إضافةً الى قسمٍ كبير من اللاعبين المحليين الذين عابهم البطء وغياب الحماسة والروح القتالية في المباراة أمام التضامن صور. وقد يكون صحيحاً قولُ البعض بأن جاسبرت لم يستعن بلاعبين جيدين آخرين في تشكيلته، أمثال محمود كجك وحسن شعيتو "شبريكو" ومازن جمال، لكن الرجل لا يُسأل في مكانٍ ما عن خيارات قد يراها محدودة كونه لم يكن وراء تشكيل الفريق الموجود بين يديه.
قبلها، كان موسى حجيج الذي خرج من العهد من دون أن يخسر حتى أي مباراة، بعدما قدّم أوراق اعتماده كمدير فني مميز في بطولة الأندية العربية. لكن أحياناً هناك ظروف وعناصر تكون أقوى من أفكار وطموحات المدرب، إذ اتفقت الأكثرية الساحقة على أن حجيج لم يكن يستحق هذا المصير، مصوّبةً على أن المدرب لا يفترض أن يدفع ثمن عدم قبوله الدخول في الحسابات الضيّقة، وتحديداً تلك التي ترتبط باللاعبين.
مرحلة البناء التي أراد جاسبرت وحجيج العمل عليها توقفت قبل تشييد أسسها، وهي المسألة نفسها التي يمكن القول إنها تنطبق على خروج جمال الحاج من تدريب النجمة، إذ رغم الهزائم الثلاث التي تعرض لها الفريق "النبيذي"، فإنه يقف على مسافة نقطة واحدة من ثنائي الصدارة، وذلك رغم الظروف التي عرفها الحاج خلال فترة عمله، ومنها عدم ارتقاء لاعبيه الأجانب فجأة الى المستوى المطلوب، وتراجع رهيب في مستوى معظم عناصره المحلية، التي قد يُلام فقط لإصراره على الاستعانة ببعضها، ربما لتفادي الدخول في مشكلات تزعزع استقرار الفريق.
أيضاً، يُطرح السؤال إذا ما كان الخطأ هو خطأ المدرب عندما يتمّ التدخل في عمله إدارياً، على غرار ما صرّح به مدرب الشباب العربي جلال رضوان يوم تقديم استقالته، وهي بلا شك المشكلة الأخطر التي يعانيها المدربون، حيث يكون لرؤساء الأندية، غير المدركين لكل الجوانب الفنية، أو الإداريين المدّعين للمعرفة، تدخلات تؤذي ولا تثمن، فتتجه الأمور نحو الأسوأ.
ومع خروج الفنزويلي كيكي غارسيا من تدريب النبي شيت أيضاً، يمكن التوقّف عند مسألة مهمة وهي أهمية وجود المدرب الأجنبي في البطولة، بغضّ النظر عن أن الفرق الأربعة الأولى حالياً يشرف عليها مدربون محليون. فكل من يتابع طريقة تعامل هؤلاء الأجانب مع لاعبيهم وكيفية تلقينهم الأساسيات في التمارين بغية تطوير مستواهم، على غرار ما فعل جاسبرت وما يفعله مواطنه ثيو بوكير مع طرابلس أو العراقي عبد الوهاب أبو الهيل مع الإخاء الأهلي عاليه، يدرك مدى أهمية وجودهم لتطوير المستوى العام، ونقل اللعبة الى مستوى فكري احترافي لم تواكبه الأكثرية الساحقة من اللاعبين الذين يجنحون الى أسلوب حياة لا يمتّ الى لاعب الكرة بصلّة، فيدفع مدربوهم الثمن في نهاية المطاف، بقرارات من إدارات تعمد الى تغطية الفشل الناتج من تدخلاتها وإلى إطفاء غضب الجمهور الذي بات بمثابة التقليد مهاجمته للمدرب وتحميله المسؤولية من دون النظر الى الأسباب الأخرى المسبّبة.