«برشلونة هو الجيش غير الرسمي لكاتالونيا». عبارة خطّها الكاتب مانويل فاسكيز موتالبان، ليعكس المعنى الحقيقي لشعار «أكثر من نادٍ» الذي يتناقله كثيرون، لكنهم لا يدركون معناه الحقيقي. هو الشعار الذي يعكس بطبيعة الحال دور برشلونة في العمل السياسي ونشاطه الداعي دائماً إلى الانفصال عن حكومة مدريد.
شعارٌ يطل هذه الأيام أكثر من أي وقتٍ مضى مع احتدام الأزمة السياسية في البلاد، وخصوصاً بعد الاستفتاء الأخير ثم الانتخابات قبل أيام في الإقليم الثائر، وهو شعار يحمّل برشلونة مسؤولية كبيرة في زيارته لـ «سانتياغو برنابيو» اليوم لمواجهة غريمه الأزلي ريال مدريد.
صحيحٌ أن «البرسا» حضر إلى العاصمة الإسبانية في وقتٍ سابق هذا الموسم، حيث حلّ ضيفاً على أتلتيكو مدريد، لكن رغم اعتبار «الروخيبلانكوس» فريق الملك فيليبي السادس، فإن «بوصلة النضال» بالنسبة إلى الكاتالونيين يبقى هدفها النادي الملكي، الذي كان يوماً الابن المدلل عند الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو (بين 1939 و1975) الذي أذاق كاتالونيا وفريقها المحبوب المرارة دائماً.
من هنا، لا بدّ أن يحضر هذا المشهد القديم في أذهان الكل في كل مرة يتقابل فيها قطبا الكرة الإسبانية، وهو مشهد سبق أن استحضره الجمهور الكاتالوني عقب المواجهات العنيفة مع السلطة، التي تلت الاستفتاء قبل أكثر من شهرين، فأطلت الأعلام الكاتالونية بكثرة مجدداً في «كامب نو»، وعلت الصيحات بصوت أقوى مطالبة بالاستقلال.

مشهد يحمله لاعبو برشلونة هذه المرة في أذهانهم إلى مدريد، وهم الذين لم يتوانَ قسم منهم، إما في التحرك دعماً لخطوة الانفصال، وإما لإدانة التصرفات القمعية للحكومة. ومما لا شك فيه، أن برشلونة يحمل مسؤوليات سياسية أصلاً، فهو وإن لم يطالب علناً بالانفصال، فإنه عضو في الميثاق الوطني الكاتالوني المنادي بحق تقرير المصير، والذي يضم مجموعة من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية.
إذاً هي جروح الماضي والحاضر معاً في آنٍ واحد، فكبرياء برشلونة مجروحة فعلاً، لا من جراء هراوات الشرطة تجاه المتظاهرين فقط، بل من خلال التظاهرات المضادة التي عرفتها المدينة، إذ لوّح المناهضون بالإعلام الإسبانية، رافضين استقلال الإقليم، وهي فعلة تثير القلق من تكرارها بألوان كاتالونية اليوم في قلب العاصمة الإسبانية، في تحدٍّ واضح لحكومة ماريانو راخوي التي لن تسمح بفعلة من هذا النوع.
وإذ يعتقد البعض أن «التجربة المدريدية» مرّت بنجاح مع زيارة برشلونة الأولى للعاصمة هذا الموسم، فإنه لا يمكن الجزم بأن الأمور ستمرّ بطريقة طبيعية، وخصوصاً بعد فوز الانفصاليين في الانتخابات الكاتالونية، ما يعني أن الأهواء لم تتغيّر في الإقليم، لا بل يمكن أن يكون ما حصل عقب الاستفتاء قد زاد من العصبية للهوية المحلية، وهي أمور تطل إفرازاتها عادة في ملاعب كرة القدم.

«الكلاسيكو» هو أحد التحديات التي تنتظر الحكومة الإسبانية بعد انتصار الانفصاليين في الانتخابات الكاتالونية


إذاً، «الكلاسيكو» قد يكون أحد التحديات التي تنتظر الحكومة الإسبانية بعد انتصار الانفصاليين، رغم نفي رئيسهم كارليس بوتشيمون (وسجن نائبه)، الذي صبّ الزيت على النار من منفاه في بروكسل بقوله: «الدولة الإسبانية هُزمت، راخوي وحلفاؤه خسروا!».
وكلمة الخسارة لن يتقبّلها راخوي على أرض الملعب، تماماً كما لن يتقبّلها الكاتالونيون، فهذا «الكلاسيكو» أعاد إحياء العداوة التاريخية بين مدريد وكاتالونيا، اللتين كان فريقاهما من الأدوات الأساسية التي استعملها كل طرف في حربه عبر التاريخ، فكانت كرة القدم بمباراتها الأشهر في العالم على صعيد الأندية ساحة لتصفية الحسابات، فتارةً عانى البرشلونيون من بطش فرانكو، الذي قتل رئيسهم السابق جوسيب سونيول عام 1936، وتارةً أخرى ردّوا الصفعة بنتائج أرادوا طبعها في كتب التاريخ كانتصارٍ لشعبٍ مقهور.
أضف نقطة أخرى لبرشلونة من أجل برهنتها اليوم، هي أن «الكلاسيكو» من دون فريقها لا يساوي شيئاً، وخصوصاً بعد التهديدات باستبعاد «البرسا» عن «الليغا» في حال إعلان جمهورية كاتالونيا المنفصلة عن إسبانيا. وهنا يمكن القول إن في هذه النقطة مسألة صحيحة إلى أبعد تقدير، إذ صحيح أن الفريقين عدوان لدودان، لكن منافستهما الشرسة هي بمثابة الغذاء لهما، فكلٌّ منهما بحاجة إلى الآخر. وكما كتب الكاتب البريطاني فيل بال (المقيم في إسبانيا): «إذا رحل ايٌّ منهما، فإن الآخر سيموت من دونه».
باختصار، صدى الشارع الإسباني - الكاتالوني وأهوائه سيكون حاضراً في موقعة اليوم، فمن هذه المباراة يمكن لمس إلى أي مدى وصل الخلاف السياسي والثقافي والإتني بين طرفي النزاع، الذي لم يكن يوماً رمزياً حتى في ملاعب الكرة التي تستمر في تصوير نفسها أرضاً خصبة للأخذ والردّ، فيكفي أن يعلّق مدافع برشلونة جيرار بيكيه على قمع المتظاهرين بالقول: «هو أسوأ قرار اتخذته إسبانيا منذ 50 عاماً، وستكون هناك عواقب وخيمة له»، لندرك ما يمكن أن يحوّل مباراة في كرة القدم إلى حرب حقيقية.