عملاقان أوروبيان يقفان على مشارف لقبٍ آخر كبير. هما أصلاً لا يعرفان سوى طعم الألقاب التي لطالما طارداها وتنافسا عليها بنحو مباشر أو غير مباشر. منافسة لم تقتصر فقط على معادن الكؤوس، بل حتى على المدربين واللاعبين، فذهبت أسماء من هنا إلى هناك، واتجهت أخرى في الاتجاه المعاكس. الألماني طوني كروس، الإسباني شابي ألونسو، الهولندي أريين روبن، الكولومبي خاميس رودريغيز، وحتى المدرب «الأسطورة» يوب هاينكس. أسماء عرفت في قرارة نفسها بأنها إذا ما أرادت حمل الكأس صاحبة الأذنين الطويلتين، فلا بدّ لها من الوقوف مرتديةً اللون الأبيض أو الأحمر. وحتى في سعي ريال مدريد إلى لقبه الأوروبي الـ 13، نقطة تخصّ بايرن، إذ من فوز البافاري بثلاثة ألقاب كبيرة متتالية (1974-1976)، لم ينجح أي فريق في فعلها، والملكي هو الوحيد القادر على نسخ هذا الإنجاز، لكن أولاً عليه أن يؤسس له في مدريد، ثم أن يمرّ من ميونيخ إلى المباراة النهائية التي اعتاد الوجود فيها، وباتت مرادفاً لاسمه.
يخوض الفريق البافاري الدور نصف النهائي للمرة السابعة في الأعوام التسعة الأخيرة

لكن مهلاً، هو يواجه فريقاً لم يفز باللقب منذ 2013، لكن حضوره القوي في «التشامبيونز ليغ» لم يغب قطّ عن المشهد العام، فالفريق البافاري يخوض الدور نصف النهائي للمرة السابعة في الأعوام التسعة الأخيرة!
رقمٌ لافت من دون شك، وهو رقم سيصبح مطابقاً تماماً لعدد لقاءات الفريقين في دور الأربعة، حيث التقيا ست مرات سابقاً، فكان العبور من نصيب بايرن عام 1976، وآخر في الثمانينيات تحديداً عام 1987، إلى انتصارٍ غالٍ عام 2001، أعقبه فوز الألمان باللقب على حساب فالنسيا، وانتصار أخير عام 2012 بركلات الترجيح. أما الريال، فتخطى بايرن في نصف النهائي مرتين فقط، في عامي 2000 و2014. الأرقام تبقى أرقاماً، ووحدها الأسماء هي القادرة على صناعة الفارق وكتابة تاريخ جديد، ومنها مدرب بطل ألمانيا يوب هاينكس، الذي قاد فريق «البيت الأبيض» إلى اللقب عام 1998، فهو يخيف الإسبان أكثر من الهداف البولندي روبرت ليفاندوفسكي، وأكثر من توماس مولر أو خاميس الذي يعرف كثيراً نقاط ضعف الفريق القادم منه منذ أقل من سنة.
هاينكس قد يكتب القصة الجميلة لبايرن ويختمها بنهاية سعيدة، فهو يخوض موسمه الأخير في عالم التدريب الذي عاد إليه في مهمةٍ إنقاذية، وهو الأخير الذي قاد البايرن إلى التتويج الأوروبي بثلاثية لا تزال متاحة مع حسم «هوليوود الكرة الألمانية» للقب «البوندسليغا» ووقوفه على بعد 90 دقيقة من لقب كأس ألمانيا، حيث سيواجه مدربه المستقبلي الكرواتي نيكو كوفاتش (دافع عن ألوان بايرن بين 2001 و2003) وفريقه أينتراخت فرانكفورت. بطبيعة الحال، يحمل الفريقان آلاماً كثيرة من مواجهاتهما السابقة، تماماً كما يحملها لاعبون سابقون مرّوا في ريال مدريد وهجروه إلى «الجنة البافارية»، وهم سيحملون الليلة راية الثأر. جراح بايرن ربما ما زالت مفتوحة، وذلك منذ ربع نهائي الموسم الماضي عندما أقصاه الريال، لكن بطريقة مشبوهة إلى حدٍّ كبير وسط الأخطاء التحكيمية الرهيبة التي قضت على كل أملٍ للبافاريين في مجاراة المدريديين، أقله بسبب تسجيل كريستيانو رونالدو هدفين وهو متسلل!
هذه المسألة، وما عرفته مباراة ريال مدريد ويوفنتوس في إياب ربع النهائي هذا الموسم عندما حصل الفريق الملكي على ركلة جزاء كانت السبب في إخراج بطل إيطاليا من المسابقة، فتحت أبواب جهنم على «الميرينغيز»، إذ فاقت النكات المتداولة منذ سحب القرعة المعقول، منها ما يحكي عن صحّة ركلة الجزاء التي حصل عليها الريال أمام البايرن حتى قبل أن يلعب الفريقان أول مباراة، ومنها من يجزم بأن الريال سيدخل لقاء الذهاب وهو متقدّم بهدفين، هما عبارة عن هدية مسبقة من الاتحاد الأوروبي للعبة...

تاريخ مشحون بالمشاكل
قد يكون التحكيم جزءاً بسيطاً من أي مشكلة ستحصل بين العملاقين الأوروبيين، إذ حتى المباريات الودية بينهما حملت أحياناً مشاهد سوداء وبطاقات من كل ألوان ومشادات بكل الأشكال. إذ ببساطة، البايرن والريال هما «العدوان» الأكثر شهرة أوروبياً. العودة إلى لقائهما الأول في نصف نهائي عام 1976 عندما واجه المدريديون فريقاً بافارياً مرعباً ضمّ أسماء كبيرة، مثل الحارس سيب ماير، و«القيصر» فرانتس بكنباور، وغيرد مولر، وكارل هاينتس رومينيغيه وأولي هونيس، تدل على ذلك. كان فريقاً لم يكن بالإمكان إيقافه في تلك الفترة، لكنّ شخصاً عُرف بـ «مجنون السانتياغو برنابيو»، قرر مهاجمة أحد حكَمي الراية ومولر أيضاً، ليقرر الاتحاد الأوروبي إيقاف الريال 5 سنوات، قبل أن تُخفَض العقوبة إلى خوض ريال مدريد 3 مباريات خارج الديار.
هذا كان أول المشاهد البشعة، إذ بعد فوز بايرن ميونيخ على ريال مدريد 9-1 في مباراة ودية عام 1980، دُعي البافاريون إلى خوض واحدة أخرى بعد عام في مدريد على «كأس برنابيو»، فطُرد كلاوس أوغنتالر بعد توجيهه إشارة نابية إلى الجمهور، الأمر الذي أثار اعتراض زملائه، فانسحبوا من المباراة! وفترة الثمانينيات كانت مشتعلة فعلاً بين الطرفين، إذ قبل تأهل الريال على حساب البايرن إلى نصف النهائي عام 1988، فاز الألمان في دور الأربعة قبلها بعامٍ واحد فقط. وقتذاك أفقدت ركلة جزاء محتسبة للفريق الألماني، لاعب الريال خوانيتو صوابه، فتعرّض للوثار ماتيوس بعنف، ليجري إيقافه 5 سنوات، وتكون تلك المباراة الأخيرة له أوروبياً.

جراح بايرن لا تزال مفتوحة منذ الموسم الماضي بعد تسجيل رونالدو هدفين، وهو متسلل


وحتى في فترة خوف كل أوروبا من الفريق الملكي في عصر «لوس غالاكتيكوس»، استهزأ البافاريون به، وذلك في ظل حرب إعلامية كبيرة بين المعسكرين، التي بدأتها صحيفة «ماركا» الإسبانية المؤازرة للمدريديين بعد قول المهاجم البيروفي كلاوديو بيتزارو: «سنسجل خمسة أهداف أمام هؤلاء المهرجين»، بينما وصف هونيس مدريد بـ «السيرك»، وواكبته صحف ألمانية عدة، واصفة لاعبي الريال بعارضي الأزياء لا أكثر. وحتى «القيصر» دخل معارك العصر الحديث يوم وجّه كلامه إلى مدرب الريال السابق جوزيه مورينيو، قائلاً: «ارتداء قمصان مصنوعة من الكشمير لا تجعل منك رجلاً محترماً»، متابعاً بوصفه البرتغالي بالغليظ والفظ. إنه الشعور المتبادل بين الفريقين أصلاً: شعور بالكره المتبادل لا يعرف الحدود ووسط حرب لم تعرف السلام يوماً.



حقائق وأرقام

نصف نهائي الأبطال في 1976


كلاوس أوغنتهالير قائد بايرن ميونخ وسانتيلانا قائد ريال مدريد في نصف نهائي 1987


فاز بايرن بمجموع المبارتين في ربع نهائي 1988 بنتيحة (4 ــ 3)


هي، لا شك، الموقعة الأقوى في الأدوار الإقصائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم هذا الموسم. موقعة كلاسيكية بين اثنين من الفرق اللذين طبعا المسابقة القارية الأم بطابعهما الخاص لفترات ليست بقصيرة. ريال مدريد الإسباني، وبايرن ميونيخ الألماني في نزالٍ آخر من الوزن الثقيل، والجولة الأولى من أصل اثنتين في الدور نصف النهائي ستكون الليلة، في ملعب «آليانز أرينا». ولكن تاريخ طويل يجمع الفريقين
عدد المواجهات الأوروبية: 24
عدد انتصارات بايرن: 11 (سجل 36 هدفاً)
عدد انتصارات ريال مدريد: 11 (سجل 37 هدفاً)
عدد التعادلات: 2
مباراة الليلة هي الرقم 25 بين الفريقين، ليكونا أكثر فريقين التقيا في تاريخ المسابقة الأوروبية.
يلتقي الفريقان للمرة السابعة في الدور نصف النهائي الذي حسمه بايرن 4 مرات مقابل مرتين للريال.
فاز ريال مدريد بآخر 5 مباريات واجه فيها بايرن، مسجلاً 13 هدفاً ومتلقياً 4 أهداف فقط.
سجل كريستيانو رونالدو 7 أهداف في آخر 3 مواجهات له أمام بايرن، من أصل 9 أهداف سجلها في المرمى البافاري خلال مسيرته.
خاض طوني كروس أكثر من 200 مباراة منذ بداية مسيرته مع بايرن ميونيخ، قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد في صيف عام 2014 ويساهم بفوزه بلقبين أوروبيين بعد إحرازه اللقب مع بايرن قبلها بعامٍ واحد.
لاعبان في بايرن رفعا الكؤوس مع فريق العاصمة الإسبانية، هما خاميس رودريغيز الفائز باللقب الأوروبي في العامين الماضيين، وأريين روبن الذي قضى موسمين مع الريال، فائزاً معه بالدوري الإسباني في موسم 2007-2008، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا عام 2009.