يكثر الحديث عن اللاعبين الأجانب في دوري كرة السلّة اللبنانية، وعن الجدوى من اعتماد ثلاثة لاعبين أجانب على أرض الملعب بدلاً من لاعبَين، وكيف أثّر هذا الأمر سلباً على أداء اللاعب اللبناني، وبالتالي على أداء المنتخب. وعلى الرغم من أنّ أغلبيّة الآراء تؤكّد «سلبيّة» الأجانب الثلاثة، إلّا أن شيئاً لم يتغيّر منذ أكثر من ثلاث سنوات. وبعكس ما يحصل على مستوى اللاعبين، فإنّ الحديث عن المدربين قليل في كرة السلّة، رغم أنّ ما يحصل هذا الموسم لافت جدّاً على مستوى المدرب الوطني.أربعة أندية وصلت إلى المربّع الذهبي من بطولة لبنان لكرة السلّة هذا الموسم، والمهم في الأمر أنّ أربعة مدرّبين لبنانيين يقفون على رأس الأجهزة الفنيّة لهذه الأنديّة، وهم: فؤاد أبو شقرا مدرب نادي الحكمة بيروت، جو مجاعص مدرب نادي هومنتمن، إضافة إلى أحمد فرّان مدرب النادي الرياضي وباتريك سابا مدرب نادي بيروت ومنتخب لبنان للعبة. يمتلك المدرّب المحلّي أفضليّة واضحة على المدرّب الأجنبي في لبنان، وهذا ما أثبتته التجربة على مدى سنوات. أحمد فرّان المدرب الشاب يعتبر النموذج الأفضل حاليّاً للمدرب المحلّي الناجح. وصل فرّان إلى رئاسة الجهاز الفني لنادي المنارة في أول تجربة له على مستوى الدرجة الأولى، خلفاً لواحد من أبرز المدربين الأجانب الذين درّبوا في لبنان وهو اليوناني ــ اليوغوسلافي سلوبودان سوبوتيتش، وليس سهلاً تدريب نادٍ مثل الرياضي بيروت نظراً إلى تاريخه الكبير على مستوى لبنان وآسيا. نجح فرّان في أوّل موسم له بإحراز لقب بطولة لبنان، وبعدها بطولة آسيا للأندية 2016-2017 على حساب كاشغار الصيني، ليتم اختياره أفضل مدرب في آسيا، وأصغر مدرب يفوز بلقب آسيا على مستوى الأندية. وجاء إنجاز فرّان الآسيوي بعدما فشل سوبوتيتش في عام 2015 - 2016 بالفوز ببطولة آسيا أمام كاشغار الصيني أيضاً. وبعد نجاحه محليّاً وآسيوياً، تم اختيار فرّان للمشاركة في معسكر تدريبي يقام في تركيا خلال شهر تموز المقبل، على أن يكون ممثّلاً لمنطقة الشرق الأوسط بمشاركة خمسة مدربين من روسيا وصربيا وأميركا وبحضور أهم لاعبي الـ NBA والكشّافين. واستفاد فرّان خلال السنوات الماضية من مركزه كمساعد لسوبوتيتش، ومن مساعده الموسم الماضي اليوناني الآخر فانغيليس زياكوس.
ثعلب المدربين اللبنانيين ومدرب الحكمة فؤاد أبو شقرا حقق المعجزة هذا الموسم


تجربة فرّان الناجحة، تضاف إليها تجربة مدرب نادي هومنتمن للرجال جو مجاعص، الذي نجح قبل أشهر في إحراز لقب بطولة العرب على حساب سلا المغربي في المغرب، كما أنّه يقدم مستوى مميّزاً للعام الثاني على التوالي محليّاً، حيث بلغ في الموسم الماضي السلسلة النهائيّة وخسر من الرياضي بيروت، وهو يقترب هذا الموسم من الوصول إلى السلسلة النهائية بعد تقدّمه في سلسلة نصف النهائي على الحكمة. وخَسِر هومنتمن بقيادة مجاعص بداية العام بطولة دبي الوديّة أمام النجم الرادسي التونسي بفارق نقطتين في المباراة النهائية (75-73).
«ثعلب» المدربين اللبنانيين ومدرب الحكمة فؤاد أبو شقرا، حقق المعجزة هذا الموسم بخبرته الطويلة في الملاعب، فعلى الرغم من الظروف الصعبة ماديّاً في نادي الحكمة بيروت، واعتكاف اللاعبين لفترات طويلة عن التدريب بسبب عدم قبض مستحقاتهم الماليّة، نجح أبو شقرا في عبور حاجز نادي الشانفيل المدجج بالنجوم في ربع النهائي، ووصل إلى نصف نهائي بطولة لبنان. وتؤكّد مصادر سلّوية محليّة أنه لو لم يتعرّض صانع ألعاب الحكمة علي مزهر لإصابة بالرباط الصليبي في بطولة دبي، لكان الحكمة قدّم مستوى أهم في بطولة دبي وعلى المستوى المحلّي.
الأبرز محليّاً اليوم والذي يجذب الإعلام نحوه، هو مدرب نادي بيروت ومنتخب لبنان للرجال باتريك سابا. نجح سابا في إيصال نادي بيروت من أوّل موسم له في دوري الأضواء إلى المربع الذهبي. وتفوّق سابا على البوسني آلان أباز مدرب نادي المتحد - طرابلس في سلسلة الربع نهائي، ومن يعرف كرة السلّة يرى بوضوح أن سلسلة الربع النهائي كانت سلسلة مدربين نظراً إلى تقارب الفريقين فنيّاً بشكل كبير. وعلى مستوى منتخب لبنان، وقع الاختيار على سابا من أجل إنقاذ لبنان في تصفيات كأس العالم، بعد النتائج السلبية للمنتخب مع المدرب الليتواني راموناس بوتاوتاس في بداية التصفيات. ويعوّل الجميع على خبرة سابا في الملاعب اللبنانية كمدرب في نادي هوبس ونادي هومنتمن للسيدات، والآن مع بيروت لإيصال المنتخب إلى بطولة العالم.
إنجازات مهمة حقّقها المدربون اللبنانيّون محليّاً وآسيوياً، ونجحوا في التفوّق على مدربين كبار من مستوى سلوبودان سوبوتيتش المتمرس بكرة السلة الأوروبيّة، والصربي نيناد فوتشينيتش مدرب بيبلوس السابق، إضافة إلى آلاز أباز وغيرهم الكثير. وبحسب مراقبين للعبة أيضاً، فإن ما يساعد المدرب اللبناني هو فهمه لعقلية اللاعب المحلي «الصعبة غالباً» وعدم تقبّله السلوك الاحترافي في التعاطي خلال التدريبات وخارج الملعب، وهو ما لا يتناسب مع عقلية مدربين أوروبيين يريدون كل شيء منظّم وعلى القواعد. نجح المدرب اللبناني في تحقيق المطلوب حتى الآن ووضع كرة السلة في مستوى متقدّم، إلّا أن العمل لا يتوقّف والتطور بكرة السلّة لا يتوقّف، والعبرة تبقى في المشاركات الخارجيّة والقدرة على تحقيق نتائج إيجابيّة آسيوياً.