خلف جدارٍ اسمنتيٍّ عازل في شارع «العدلية» في فرن الشباك، ثمة وزارة مجهولة المعالم. صفّ الأشجار التي تسيّج مركز الأمن العام يحجب مبنى وزارة الشباب والرياضة تماماً عن الشارع. البحث عن المدخل الرئيسي مربك بعض الشيء. على زاوية الجدار اليمنى، زاروب صغير للمشاة يصل إلى حاجزٍ حديدي لعناصر الأمن العام. الداخل إلى الوزارة يظن نفسه في حرم ثكنة عسكرية، تحيطه فوهات بنادق جنودها من كلّ حدبٍ وصوب. لا شيء في المكان هنا يشير إلى وجود وزارة لبنانية سوى العلم اللبناني المعلّق بخجل. المبنى المؤلف من سبع طبقات، يبدو غريباً بين الأبنية الرسمية المجاورة له، كوزارة الصناعة ومركز الأمن العام وقصر العدل. بناء قديم غير مؤهلٍ منذ مدّة، تعلوه لافتة صغيرة، بالكاد تُرى، تحمل اسم الوزارة. سوء حال المبنى من الخارج لا يشبه وضعه من الداخل أبداً. أثاث جديد للمكاتب وعمليات تأهيل مستمرة للأبواب والجدران وشبكات الهاتف والكهرباء. الهدوء اللافت بين أرجاء الوزارة يعود إلى أنّها ليست وزارة خدماتية يقصدها المواطنون يومياً.

المكان مجهول!
لم يكن محيط مبنى وزارة الشباب والرياضة مقفلاً في السابق كما هي حاله اليوم. الإجراءات الاستثنائية حوله حلّت مع انتقال وزارة الاتصالات إلى وسط بيروت، وحلول مركز الأمن العام مكانها. شارع سامي الصلح الذي تتربّع على جانبيه مؤسسات حكومية عديدة، يضيق بالسيارات في ساعات الذروة، بعدما أرخى «الأمن العام» بجداره الاسمنتي العالي على أكثر من نصف الطريق العام. وهي إجراءات «مفهومة» من الناحية الأمنية، ولا ذنب للأمن العام فيها. ما هو ليس مفهوماً، هو بقاء وزارة الشباب في مكانها. هذا كله، ولم ندخل بعد.
معظم اللبنانيين يجهلون الموقع الجغرافي لوزارة الشباب والرياضة، ويسود انطباع سيئ لديهم تجاه وزارتهم، فهم لا يقصدونها لإجراءاتٍ خدماتية كسائر الوزارات الأخرى. يسألون عن طبيعة عملها، في ظلّ تراجع كبيرٍ في مستوى الرياضة اللبنانية على اختلاف أنواعها. الوزارة التي تعاقب على توليها 8 وزراء منذ إنشائها عام 2000، وآخرهم الوزير محمد فنيش، بعدما كانت تابعة لوزارة التربية الوطنية وفقاً للمرسوم 5542 عام 1966، تواجه اليوم صراعاً بين الأحزاب اللبنانية الرافضة لتوليها مع كلّ حكومة جديدة. وإن كان الوزير فنيش بذل محاولات أكثر من غيره، إلا أن المدير العام زيد خيامي يحافظ على منصبه منذ عام 1994. يشهد على تبدلاتٍ وتغيّراتٍ عديدة في المراكز والدوائر داخل المديرية منذ تسلّمه قبل 23 عاماً. لا ينكر وجود مشكلة كبيرة في موقع الوزارة، لكنّه يسلّم بالواقع الذي «لا يمكن أن يتغيّر نظراً إلى ظروفٍ وعوامل عدة»، بحسب قوله. خيامي يشير إلى أنّ «مبنى وزارة الشباب والرياضة أصبح مرتبطاً بأكبر «ستاد» في أغلب دول العالم، وخصوصاً أنّ الوصول إلى المدينة الرياضية في بيروت أكثر سهولة من المناطق الأخرى». ينتقد خيامي «الدولة القوية» كما سماها، مشيراً إلى أنّها «تعجز عن تحرير المدينة الرياضية المحتلة من قبل «الهنغارات» المجاورة وسوق الخضار».

عجز في الميزانية
تبدلت مهمات وزارة الشباب والرياضة في لبنان مع تبدل مفهوم الرياضة حول العالم. اليوم بات ممنوعاً على أي جهة حكومية التدخل في عمل الاتحادات الرياضية تحت طائلة الإيقاف الدولي. لذا يقتصر دور الوزارة على دعم هذه الاتحادات التي ترأسها اللجنة الأولمبية اللبنانية، والتي بدورها تشكل البعثات اللبنانية للمشاركات الكبرى في الخارج كالألعاب الأولمبية الصيفية أو الشتوية. لا تنفذ الوزارة نشاطات رياضية مباشرة بسبب كادرها البشري الصغير، وغالباً ما تلجأ إلى مساعدة وتمويل الاتحادات والأندية الرياضية والشبابية والكشفية وبعض الجمعيات الخاصّة لتنفيذ أنشطةٍ تحت إشرافها.
يلقي معظم اللبنانيين اللوم على وزارة الشباب والرياضة لانعدام المستوى الرياضي في لبنان، مقارنة بالدول العربية المجاورة والدول الأجنبية، بينما يفتقر المجال الرياضي إلى نشاطاتٍ شبابيّة محفّزة في ظلّ غياب خطّة وطنيّة استراتيجية لدعمه. وذلك لأن الكثيرين يجهلون أنّ المشكلة تكمن في (ضعف) ميزانية الوزارة مقارنة بميزانيات وزارات أخرى. لا يتوانى رئيس دائرة العلاقات العامة والإعلام في الوزارة حسن شرارة عن وصف الميزانية «بالنكتة»، حيث بلغت عام 2017، 15 ملياراً و512 مليون ليرة لبنانية، على أن تخفض بنسبة 20 في المئة في موازنة العام 2018، بينما تقدّم الوزارة مساعدات للأندية والاتحادات الرياضية بمعدّل 5 مليارات و500 مليون ليرة لبنانية، تتوزع بين 3 إلى 5 ملايين ليرة بحسب احتياجات الأندية. يأسف شرارة لمظلومية الاتحادات والوزارة في آن معاً، مشيراً إلى أنّ «معدّل المساهمة المالية السنوية لاتحاد كرة القدم اللبناني قد لا تعادل ميزانية لاعبٍ ناشئٍ في دولةٍ خليجية». شرارة الذي لا ينفكّ عن مقارنة الوضع الرياضي في لبنان بالنموذج الرياضي الناجح في دولة قطر، يشير إلى أنّ «ميزانية ناد رياضي في قطر تبلغ 10 ملايين دولار، في حين أنّ الدولة اللبنانية لم تأخذ قراراً جديّاً بعد بوضع قطاعي الشباب والرياضة كأولوية وطنيّة».
معدّل المساهمة المالية السنوية لاتحاد كرة القدم قد لا يعادل ميزانية ناشئٍ في دولةٍ خليجية


تزدحم القرى والبلدات اللبنانية بمشاريع رياضية مدعومة من قبل وزارة الشباب والرياضة بحسب الإمكانات المتاحة. إذ يولي المسؤولون في الوزارة أهميّة كبرى لمساعدة البلديات واتحاد البلديات لإنشاء مرافق رياضيّة تساعد في زيادة حركة الإنماء ذات الطابع الرياضي. في عام 2017، قدّمت الوزارة مساهمات مالية لـبلدات في مختلف المحافظات بمعدّل 4 مليارات ليرة لبنانية، من ضمنها مساهمة بـ 90 مليون ليرة لبلدية قلاويه الجنوبية لإقامة منشأة رياضيّة، و100 مليون ليرة لبلدية بنت جبيل الجنوبية لتأهيل الملعب البلدي وإنشاء مرافق إضافية تابعة له. ولكن هل الميزانية هي كل الأزمة؟ لا بد من الحديث عن سرير الموت البيروقراطي أيضاً.

مشاركات خجولة
كسر لبنان الجمود الذي طغى على قدرته على استضافة أنشطةٍ رياضية عدة ذات طابع عربي ودولي بسبب التوتر الأمني والسياسي في الفترة الأخيرة، مع استضافة بطولة كأس آسيا لكرة السلة في آب 2017. الخطوة التي اعتبرها شرارة بشرى خير لتعزيز ثقة الجوار العربي والشارع اللبناني بالقطاع الرياضي، بلغت ميزانيتها 3 ملايين دولار، غطت منها وزارة الشباب والرياضة مليون دولار فقط وتكفّل الاتحاد اللبناني لكرة السلة إلى جانب الجهات الراعية للحدث بالتكاليف الباقية. في هذا الإطار، يوضح شرارة أنّ «الوزارة لا تستطيع منح اتحاد كرة السلة وحده 3 ملايين دولار وتحرم الاتحادات الأخرى من أي مساهمات مالية»، مشيراً إلى أنّ «الوزارة تلجأ أحياناً إلى احتياط موازنة الحكومة لتغطية النفقات التي تفوق إمكاناتها المالية». الدولة اللبنانية الممثلة بوزارة الشباب والرياضة استضافت أيضاً نشاطين رياضيّين العام الماضي، الأول عن كيفية وضع الاستراتيجيات للأنشطة الشبابية ونشاط آخر عن التسويق، بمشاركة مئة شخص من 13 دولة عربية. هذه الأنشطة تأتي ضمن الأنشطة السنوية التي تقررها لجان الخبراء في مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، وتوافق عليها الحكومة اللبنانية.
سياسة الوزارة المتّبعة منذ سنتين تقريباً تقضي بعدم دعم المشاركات اللبنانية الكبرى إلى الخارج، باستثناء أنشطة المنظمة الدولية الفرنكوفونية التي تقام كل 4 سنوات إذا قرر لبنان المشاركة، وتصرف تكاليفها من احتياط الحكومة بعد إجراء دراسة مالية شاملة. بدورها، رئيسة مصلحة الديوان بالإنابة فاديا حلال تشير إلى أنّ «الموازنة المخصصة من قبل الوزارة للدورات العربية وللمشاركات الصغيرة في الخارج تختلف باختلاف أفراد البعثة»، لافتةً الانتباه إلى أنّ «دعم الأفراد كبطولات الرماية مثلاً رهن لمزاج الوزير، وقد يقتصر الأمر أحياناً على المراسلة فقط».



إهمال مستمر للمنشآت الرياضية

يطغى العشب الأصفر على ما تبقى من أرضيةٍ صالحةٍ للعب في مدينة كميل شمعون الرياضية. الحفر التي تتحول إلى مستنقعات مياه في الشتاء، تشكل عقبةً كبيرةً أمام اللاعبين لتقديم أداءٍ جيّد. المدرجات والمنصات الرئيسة ليست أفضل حالٍ من أرضية الملعب، فحالات الشغب المرافقة لكلّ خسارة فريق تزيد وضعها سوءاً. وتحتاج المدينة الرياضية إلى تأهيل سنوي بحوالى مليون ونصف مليون دولار بحسب الخطط المرسومة في الوزارة لتحافظ على وضعها الجيد، أما اليوم فباتت بحاجة إلى 12 مليون دولار تقريباً (حسب تقديرات الوزارة) بعد انقطاع لسنوات، والأمر نفسه ينطبق على مجمل المنشآت الرياضية التي تهمل بعد تشييدها.


ملعب عمشيت محسوبيات بين الوزير والرئيس


تتشابه يوميات الموظفين في مكاتب وزارة الشباب والرياضة، فيبدو العمل خفيفاً مقارنة بوزارات أخرى. تكثر الاتهامات الموجهة للوزارة بهدر المال العام عبر الصفقات الرياضية أو عبر تمويل البعثات الخارجية. وبالرغم من مرور 6 سنوات على افتتاح ملعب عمشيت الدولي عام 2012، لا يزال الهمس في أروقة الوزارة حاضراً عن دعم «غير مستحق» حصلت عليه بلدية عمشيت خلال تولي الوزير عبد المطلب حناوي الوزارة في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. شرارة الذي لا ينفي الأمر بشكلٍ مطلق، يؤكد أنّ «أبواب الهدر المحتملة في هذه الوزارة قليلة جداً ومحدودة لأن ميزانيّتها في الأساس صغيرة جداً وليست وزارة خدمات لديها مليون دولار في حساباتها».

أرقام 2017


موازنة الوزارة: 15 ملياراً و512 مليون ليرة (ناقص 20% بموازنة 2018 تصبح 12 ملياراً تقريباً)
مساعدات للأندية والاتحادات والأفراد: 5 مليارات و500 مليون ليرة (بين 3 ملايين ومليون لكل ناد أو اتحاد/ ناقص مليار بالـ 2018)
مساعدات البلديات: 4 مليارات ليرة (ناقص مليار بالـ 2018)
المشاركات الخارجية الكبيرة: لا تدفع الوزارة باستثناء أنشطة المنظمة الدولية الفرنكوفونية (كل 4 سنوات مرة). تعد الدراسة المالية وتحوّل إلى مجلس الوزراء وتدفع من احتياط الحكومة. في بعض الأحيان، لا يشارك لبنان أبداً
الدورات العربية: تترتب الموازنة حسب عدد الفرق أو أفراد البعثة. تغطي تكاليف (تذاكر السفر/ الإقامة/ التجهيزات/ pocket money). لا تصرف الوزارة كل التكاليف (آخر مرة شارك لبنان في 2012، الكلفة كانت 700 مليون، صرف من الوزارة 5 ملايين فقط)
المشاركات الصغيرة: مشاركة أفراد محددة، تتحملها الوزارة حسب الحالة