فاطمة، ميسم، نغم، وأكثر من خمس وعشرين فتاة أخرى تتراوح أعمارهن بين 14 و19 سنة، أتين من بلدات طيردبا وقانا وبدياس والبازورية وأنصار وبليدة، ليشكلن معاً نواة فريق «نادي نجوم طيردبا»، الذي انضم قبل أشهر إلى الاتحاد اللبناني لكرة القدم. بين الهواية والموهبة تتأرجح أهداف الشابات من الانتساب إلى النادي «الفريد» في المنطقة. كثيرٌ من الودّ يطغى على تجمُّعهن بانتظار التدريب. تتبادلن أطراف حديث حول المدرسة والامتحانات. لكن الأهم، هنا، هو حديث يدور حول ميسي وبنزيما، وعلى رغم طول فترة انتظار فتح الملعب للتدريب، لا تتعبن.المشهد رياضي. عادي. صبايا يلعبن الكرة. لا تبالغوا في رسم «تصورات». تتبادل زينب مع رئيس النادي المحامي عباس طالب الكرة. تتنافس معه على عدد المرات التي تتناقلها بين أقدامها وتضحك عالياً فيما تتحدث عن مشاركتهن في بطولة لبنان العام المقبل. بالنسبة لفاطمة عطايا القادمة من بلدة بدياس إلى طيردبا من أجل التدريب، فإنها كانت قد سألت مراراً عن نادٍ تمارس فيه هوايتها كما يفعل شقيقها ووالدها، وهذا ما دفعها إلى الانتساب مباشرة عندما عرفت بالتأسيس. تكرّر الفتيات ذلك فيما تتحدثن عن أسباب التحاقهن. بعضهن معجبات بالكرة العالمية وأخريات لطالما مارسنها كهواية في أزقة القرية مع رفيقاتهن، أو حتى مع «الصبيان».

«آمال كبيرة نعلّقها على الفتيات»، يؤكد الأستاذ طالب، فعلى رغم أن المشاركة في بطولة لبنان هذا العام ستكون البداية وليس هناك تطلع إلى أهداف كبيرة ستحقق، «ولكننا نعتمد عليهن وعلى شغفهن من أجل المضي في هذا الفريق». بدوره، يشير أمين صندوق النادي محمد عز الدين إلى أن النادي لا يزال في طور التأسيس، وبالتالي فإنه يستقبل كل الفتيات الراغبات بالانتساب، أمّا مسألة اكتشاف مكامن القوة وتطوير المواهب فسيكون على عاتق المدربين حسن شور (الملقّب بفاعور) وفادي الزين، اللذين يرى عزالدين أنهما سيكرّسان مع الوقت موقعاً هامّاً للفريق.
من جهته يرى شور أن من بين الفتيات مواهب حقيقية ولكنها تحتاج إلى تدريب، موضحاً أن مشاركة الفريق في الدوري ستكون أول خطوة نحو الاحتراف، وهذا ما يعززه أن لا مخاوف من الانتقال من درجة إلى أخرى في حال لم يحالفهن الحظ لأن هذه السياسة غير متّبعة في فرق الفتيات التي يبلغ عددها 12 فريقاً فقط في كل لبنان. إضافة إلى ذلك يشير شور إلى أن هناك خططاً لتعزيز هذا الفريق بين ذلك استقدام لاعبات أجنبيات من السنغال، «المشوار طويل ولكنّه يستحقّ».

اعتراضات لا تُذكر
«أرادوا أن نضعهن في أماكن مغلقة لكي يتقبّلوا الفريق». إلى هذا الحد كان رفض بعض الجهات المسؤولة في البلدة الفكرة، يؤكد عزالدين، الذي أشار إلى أن ذلك لم يقف أمام المضي في الخطة، إلا أنه بالتأكيد أثّر في القرار العام تجاه الفريق حيث لم يحصل على أي نوع من أنواع الدعم، فعلى رغم أن الاتحاد اللبناني لكرة القدم عرض تأهيل منشأة رياضية للنادي، ولكن المنحة ما زالت مجمّدة بسبب عدم وجود أرض. «أعتقد أنهم يشعرون أننا لا نشبههم»، يوضح رئيس النادي الأستاذ عباس طالب.
يتساءل الأستاذ طالب عن الأسباب الحقيقية وراء رفض الجهات المسؤولة والحزبية لفكرة الفريق، في ظل رغبة الفتيات باحتراف كرة القدم. ابنة البلدة، جوسلين، وقعت عقداً مع فريق في بيروت لأنها لم تجد طموحها في الجنوب، وبرأيه «هذا يناقض الصورة التي يحاول بعض الأشخاص رسمها عن المنطقة».
بالنسبة لأمين السرّ عدنان فقيه، الذي يبدو أكثير إيجابية، فإن النادي «فرصة» للفتيات وللمجتمع من أجل العودة إلى التنوع الذي لطالما تمتّع به، وعلى رغم الرفض الذي لاقاه، يؤكد فقيه أن من المهم الحفاظ على هذا المشروع والوصول إلى الفتيات الموهوبات في كل المنطقة. وعلى الصعيد الأهلي، تتفاوت ردود الفعل. بعض العائلات رحّبت بشدّة وساهمت في تشجيع بناتها وحضرت مبارياتهن، من بينها عائلات متديّنة حيث أن نصف الفتيات اللاعبات محجبات. لكن لا يخلو الأمر من صعوبات... «اضطرت هذه العائلات إلى تحمل انتقادات عائلات أخرى وضغوطات مجتمعية»، يشير عز الدين، فيما يتحدّث عن رفض بعض الأهالي العالي اللهجة للفكرة وتعرّضهم للفريق بالسوء، وهذا ما ساهم به مباشرة موقف بعض الحزبيين.
يؤكد رئيس النادي أنه على رغم الافتقار إلى الدعم وتحمّله شخصيّاً، مع الهيئة الإدارية للفريق، كافّة التكاليف المادية، و«الحرب المعنوية» التي تشن عليه، فإنّه ماضٍ في المشروع الذي يرى أنه يعطي الفتيات فرصة للتعبير عن ذواتهن وسيكون بالتأكيد بداية جديدة لرياضة الفتيات في شكل عام في المنطقة، إلى جانب كونه نافذة تعكس حقيقة الواقع الاجتماعي والثقافي لها بعيداً من الصورة النمطية السائدة.
أما الصورة التي نراها في الملعب، فهي الصورة الجميلة التي نتخيّلها. كرة قدم جميلة للجميع.