لم تكن الرياضة في تونس، وخاصة كرة القدم، بمعزل عن السياسة والأوضاع العامة التي تمر بها البلاد، فتأسيس أول الجمعيات الكروية في تونس كان رداً على الجمعيات التي يديرها المستعمر الفرنسي عبر رجاله في تونس. كان الترجي الرياضي التونسي المُلقب بشيخ الأندية التونسية (أول جمعية كرة قدم تونسية تأسست في 1919) وغريمه التقليدي النادي الافريقي (1920) أو فريق الشعب كما يحلو لأنصاره تسميته من النوادي الرياضية التي كان التونسيون حجر الأساس في تأسيسها، إضافة إلى بعض «الخواجات»، الذين فرضتهم فرنسا على رأس النوادي التونسية الوليدة. كانت كرة القدم شكلاً من أشكال مقاومة الاحتلال الفرنسي (1881-1956) وحملة التجنيس التي نفذتها سلطات الاحتلال واجهها التونسيون بكل نخبهم بشراسة. هكذا، رافقت السياسة مسيرة كبرى النوادي الرياضية في تونس إلى هذه الأيام، حيث يُعتبر رئيس جمعية كرة قدم في تونس صاحب نفوذ معتبر، لذلك ترى نواب البرلمان ورؤساء أحزاب ووزراء ومرشحين للرئاسة من رؤساء النوادي البارزة في البلاد ويستعملون «نفوذهم الكروي» لأغراض سياسية. وكان أكبر مثال على ذلك السياسي سليم الرياحي الذي كان مغموراً، قبل أن يصبح رئيساً للنادي الافريقي (صاحب كأس تونس هذا العام)، والمرشح الرئاسي الذي حلّ في المرتبة الرابعة بفضل رئاسته لما يُعرف بنادي الشعب. وهنا يمكن اعتبار جمعيات كرة القدم، خاصة الكبرى منها، جزء لا يتجزأ من منظومة الحكم في تونس، وذلك يعود إلى أجيال من مسؤولي هذه الجمعيات كانوا يتبوؤون مناصب عليا في الدولة أو في الحزب الحاكم، بالإضافة إلى سعي متواصل من رجال النظام منذ الاستقلال إلى الاستيلاء على الجمعيات الكبرى لتعزيز نفوذها في الدولة وتحسين صورتها لدى الشعب، كان أبرز مثال على ذلك سليم شيبوب صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي ترأس الترجي الرياضي التونسي وعُرف بنفوذه الكبير في البلاد قبل أن يتصارع مع عائلة الطرابلسية (نسبة إلى زوجة المخلوع ليلى الطرابلسي) ويخسر نفوذه لمصلحتها، وهي التي اختارت السيطرة على النادي الافريقي في السنوات التي سبقت ثورة يناير جانفي 2011. كذلك هو الشأن بالنسبة إلى النجم الرياضي الساحلي (جوهرة الساحل) الذي يعتبر مركز نفوذ لكبار رجال الأعمال بمحافظة سوسة وعرفوا بأنهم من أقوى اللوبيات السياسية التي عرفتها دولة الاستقلال.
سيطرة أصحاب النفوذ كان لها تأثير مباشر على المنتخب الوطني أيضاً. فمثلاً كان ثمانية لاعبين أساسيين في المنتخب من لاعبي الترجي الرياضي التونسي فترة حكم سليم شيبوب الذي كان ينزل بكل ثقله لضمان صعود لاعبي فريقه الذي كان هو نفسه أحد لاعبيه. ورغم السيطرة المتواصلة، المباشرة وغير المباشرة للسياسيين على الجمعيات الرياضية، كان ثمة توجه آخر لجماهيرها الرياضية التي عادةً ما تميل إلى التمرد والعنف ضد النظام، وكانت أعمال الشغب والتمرد التي قام بها جمهور الترجي الرياضي سنة 2010 مقدمة لما سيواجه النظام من ثوران شعبي في جميع الجهات. كذلك كان للجماهير الرياضية ومجموعات الالتراس صرخات في وجه النظام، أبرزها اتحاد مشجعي النادي الافريقي والترجي الرياضي في مباراة نهائي كأس تونس حيث واجه الرئيس المخلوع سيلاً من الشتائم أرغمه على مقاطعة احتفاليات نهائي الكأس لثلاث سنوات متتالية.
بلغت المواجهة أقصاها بعد غرق عمر العبيدي بعد ما دفعه أعوان الأمن إلى الإلقاء بنفسه في النهر

ظلت الملاعب التونسية، رغم عقود من الاستبداد، مربعاً من مربعات الحرية تمارس فيه الجماهير الرياضية فن التعبير والنقد والشتم ما جعلها محل هجوم متكرر من قبل الأمن. وبعد الثورة وما تبعها من عدم استقرار أمني تحولت «المعركة» إلى كسر عظام بين الجماهير الرياضية (خاصة جماهير النادي الافريقي) والبوليس الذي لم يتعلم بعد كيف يتعامل مع الجماهير الرياضية «الثائرة». بلغت هذه المواجهة أقصاها بعد غرق الشاب عمر العبيدي بعد ما دفعه أعوان الأمن إلى الإلقاء بنفسه في النهر القريب من الملعب الأولمبي برادس. اتحدت الجماهير الرياضية «اللدودة» ضد بطش البوليس وقررت المواجهة مع الأمن في جميع المناسبات الرياضية المقبلة. لكن النادي الافريقي «كان فريقاً مسالماً لم يتجند بما فيه الكفاية لاسترجاع حق شاب قُتل وهو يهتف بحياة النادي الافريقي»، على حدّ قول أحدهم، وربما، أيضاً، لأن النادي نفسه، ليس إلا عموداً من أعمدة النظام الحاكم في تونس، النظام الذي يتواصل منذ عقود طويلة.