لا يمكنك أن تتجول في شوارع مدينتك قبل انطلاق كأس العالم، من دون أن تشاهد قميصاً أبيض ألمانياً هنا وآخر أصفر برازيلياً هناك. فكأس العالم التي تشكل مناسبةً مثالية لارتفاع «الأنزيمات» الوطنية لدى العديد من شعوب العالم، يواكبها جمهورٌ كروي هائل يرغب في معايشة أحداثها بكل طريقة ممكنة. يشترون أعلام المنتخبات، يملأون المقاهي بالهتافات، ويصدحون بأعلى أصواتهم، مهللين ومشجعين وداعمين. إلا أنّ شراءهم لقمصان منتخباتهم المفضلة يعدّ طريقتهم المثلى لتأكيد مؤازرتهم للفرق المشاركة.

مظاهر الاحتفال تعم العالم وهذا يبقى حدثاً مفرحاً. لا تعتبر قمصان المنتخبات مجرد قطعة قماش يشتريها المشجعون للتماهي مع أجواء كأس العالم، بل يقبلون عليها لأنها تشكل بالنسبة إليهم رابطاً يعزز شغفهم بنجوم اللعبة الشعبية. هي ليست مجرد زي يرتديه اللاعبون لتمييز الفرق أو المنتخبات بعضها عن بعض، وإن كانت تتخذ طابعاً استهلاكياً في عصرنا الرأسمالي، فهي أيضاً تشكّل رمزية كبيرة تختصر تاريخ الشعوب وثقافتها.
جرت العادة أن ترتدي المنتخبات زياً بألوان لها علاقة بعلم بلادها، كالبرازيل التي داومت على ارتداء اللونين الأصفر والأخضر، والأرجنتين التي ترتدي الأبيض والأزرق السماوي. إلا أنّ هناك دولاً أخرى قررت الخروج عن القاعدة واستخدام ألوان دخيلة مرتبطة بخلفيات تاريخية أو سياسية. فعلى الرغم من أن ألوان علم ألمانيا هي الأسود والأحمر والأصفر الداكن، فإنّ المنتخب الألماني لكرة القدم كان يرتدي اللون الأبيض دائماً، ويعود ذلك إلى كون الأبيض والأسود والأحمر الألوان الوطنية للإمبراطورية الألمانية السابقة «بروسيا». بعيداً عن ألمانيا، يرتدي المنتخب الإيطالي اللون الأزرق، في إشارة إلى شعار العائلة المالكة «سافوي» التي حكمت إيطاليا بين عام 1861 و1946، في حين أنّ العلم يحتوي على الأخضر والأبيض والأحمر. الوضع مماثل بالنسبة إلى هولندا، التي يتشكل علمها الوطني من الألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء، بينما يرتدي منتخبها الوطني اللون البرتقالي تكريماً للعائلة الهولندية المالكة (هاوس أوف أورانج) «ناسو». اليوم، لم يعد القميص يشكل مجرد رداء أو زي عادي، بل أصبح تصميمه وبيعه عملاً تجارياً بحتاً يعود بالأرباح الطائلة على مصنعيه. يقضي المصنعون أشهراً طويلة في إجراء الأبحاث وتصميم كيفية ظهور قميص الفريق والسراويل القصيرة والجوارب، وكل ما يجب أن يمثله الزي الرياضي. عملية التصميم هذه تتطلب مراعاةً دقيقة وحساسة لهوية كل منتخب، مع الحرص على نقل ماضي كل دولة وتاريخها ومواكبة حاضرها. وبموازاة المنافسة القائمة بين المنتخبات، تدور منافسة أخرى بين شركات كبرى في مجال تصميم القمصان، أمثال أديداس وبوما ونايكي وأمبرو وهامل. تطورت قمصان الأندية والمنتخبات مع تطور كرة القدم حتى أصبحت تشغل اليوم أسواقاً لوحدها وتتحكم حتى في ميزانية بعض الأندية.
مسؤولية كبيرة تقع على عاتق هؤلاء المصنعين. فمن أجل تصميم الزي الرسمي لأي فريق، هناك العديد من الشروط الواجب على المصمم أخذها بالاعتبار، ولعلّ أبرزها وأهمها هو لوائح الفيفا. فالاتحاد الدولي لكرة القدم أعدّ لائحة تجهيزات، وهي عبارة عن وثيقة مؤلفة من 92 صفحة تحدد بدقة عبارات وإجراءات تصميم الزي الرسمي للفرق. هذه اللوائح تضم كل تفاصيل التصميم، بدءاً من حجم الأسماء والأرقام على القميص، وصولاً إلى شعار الشركة المصنعة وحجم العلم الوطني. معايير صارمة تفرضها الفيفا على مصممي القمصان، الذين يجهدون للخروج بزيّ مميز يعزز ثقة اللاعبين ويلهم المشجعين والمتابعين. القميص الذي يعتبر الواجهة الأولى للمنتخبات، يصبح حاصد اللحظات التاريخية في مسيرة اللاعب والفريق. تلك الخيوط المنسوجة بدقة وإتقان تحتضن مواقف وذكريات كروية لا تُنسى، يعيشها اللاعبون والمشجعون في آنٍ معاً.


نيجيريا الأجمل
احتشد العشرات أمام متجر «نايكي تاون» في لندن، بانتظار الحصول على قميصٍ استثنائي. بلونه الأخضر الداكن ونقوشه الغريبة، تمكن من حصد أكبر عدد من الأصوات كأجمل قميص من بين قمصان المونديال. فقد حصل قميص منتخب نيجيريا على 40.6 ألف صوت على موقع «سكاي نيوز»، إذ اعتبره العديدون القميص الأجمل في المونديال، وبفارق كبير عن القمصان الأخرى. ولاستثنائية تصميمه، تلقت شركة «نايكي» ما يصل إلى ثلاثة ملايين طلب مسبق لشراء القميص المميز، الذي نفد بعد ساعات قليلة من طرحه في الأسواق، لتكسر بذلك نيجيريا الرقم القياسي لمبيعات قمصان أي فريق. يتميز قميص «السوبر إيغلز» بأكمام سوداء وبيضاء مستوحاة من جناح النسر، وجذع أخضر وأبيض يتميز بنمط ريش. وقد أعيد تصميم هذه الشارة لتكريم «فريق الأحلام» الحائز ميدالية ذهبية عام 1996، إذ استوحت شركة «نايكي» تصميم القميص الاحتياطي من قميص منتخب نيجيريا الشهير في مونديال 1994 بالولايات المتحدة عندما شاركت البلاد لأول مرة في كأس العالم. وتأمل البلاد أن يساعد القميص الذي يبلغ سعره 85 دولاراً أميركياً، على دفعهم للفوز في كأس العالم في مشاركتهم الثالثة توالياً.