منذ تلك المباراة الودية أمام السعودية استعداداً للمونديال وعلامات الاستفهام تحيط بالمنتخب الألماني. وهذا التخوّف تحوّل إلى حقيقة ملموسة منذ الدقائق الأولى للقاء الافتتاحي لأبطال العالم أمام المكسيك. دفاع هش، خط وسط ضائع، وهجوم غائب.إذاً المشكلة في كل مكانٍ في المنتخب الألماني، وهو أمر لا شك في أن المدرب يواكيم لوف لمسه، لكن ما عابه أنه لم يقرأه خلال المباراة أمام المكسيك، وبالتالي لم يعالجه، ما يتطلب منه وقفة شجاعة وذكاء للتخلّص من تلك المشاكل والانطلاق من جديد، تماماً كما حصل في المونديال الماضي عندما قدّم الألمان مستوى متفاوتاً. إذ بعد الفوز الكبير على البرتغال 4-0، كان التعادل الصعب مع غانا 2-2، ثم الفوز الخجول على الولايات المتحدة 1-0، وبعدها فوز آخر متواضع على الجزائر 2-1، في دور الـ 16، لتكون الانطلاقة الفعلية أمام فرنسا (1-0) في ربع النهائي، حيث وضع لوف حجر الأساس للانتصار التاريخي على البرازيل 7-1 في نصف النهائي، وبعدها على الأرجنتين 1-0 في النهائي بعدما قام بتبديله الشهير بإقحام صاحب الهدف الذهبي ماريو غوتزه.
عامذاك حضرت علامات الاستفهام أيضاً حول خيارات لوف، لكنه سرعان ما اقتنع بضرورة تبديل نظرته لبعض اللاعبين وفلسفته الاستراتيجية، وهو أمر مطلوب حالياً إذا ما أراد تخطي عقبة السويد (اليوم) ثم كوريا الجنوبية (الأربعاء) والذهاب بعيداً في البطولة.
لوف أصلاً أظهر عناده عندما أشرك حارس المرمى مانويل نوير أساسياً، وهو الذي حمّله بعض الخبراء جزءاً من المسؤولية في الهدف الذي سجله إيرفينغ لوزانو في مرماه. عناد لوف كان طبعاً في اختيار نوير الذي غاب لأشهرٍ طويلة وبالكاد لعب في الموسم المنتهي، على حساب أحد أفضل الحراس في العالم أي مارك - أندريه تير شتيغن.
وإذا سلّمنا جدلاً بأن شيئاً لن يتغيّر بالنسبة إلى هذه النقطة، فإن تغييرات كثيرة يفترض أن يقوم بها لتغيير صورة منتخبه ليكون بمقدوره النهوض من كبوته. عموماً، وفي المباراة الأخيرة، اعتمد لوف على 8 لاعبين شاركوا في كأس العالم الأخيرة، وفي هذا الأمر مصيبة كبرى، وذلك ضمن نقطة لا يبدو أنه أخذ دروساً فيها من المنتخبات التي سبق وسقطت في فخها، أمثال فرنسا في مونديال 2002، ثم إيطاليا في مونديال 2010، وبعدها إسبانيا في مونديال 2014.
تغييرات كثيرة يفترض أن يقوم بها لوف لتغيير صورة منتخبه


كما أنه لم يتّعظ مما مرّ به بايرن ميونيخ خلال موسمٍ عانى خلاله في مراحل كثيرة على الصعيد الدفاعي. وهنا الحديث عن قلبَي الدفاع ماتس هوملس وجيروم بواتنغ اللذين شكّلا عبئاً في الفريق البافاري بحكم تراجع مستواهما سويّاً، وبالتالي فإن أحدهما لا يستطيع التغطية عن الآخر، ليكون الحلّ الوحيد والمنطقي هو باستبدال بواتنغ الذي بدا ثقيلاً وغير قادر على التعامل بالشكل الصحيح مع المهاجمين في المواجهات الثنائية. ولهذا السبب تردد أن بايرن قرر بيعه هذا الصيف.
مسألة تغيير النهج الدفاعي هي أمر أساسي لإعادة تشغيل الماكينات الألمانية بالشكل المثالي، ففي مونديال البرازيل كانت عملية بناء الهجمة تبدأ من الخلف، ومن عند الثنائي المذكور، الذي على رغم أنه عابه دائماً البطء فإنه كان أسرع بكثير تفكيراً وحركةً مما هو عليه اليوم. وهنا على لوف التحلي بالشجاعة للتخلص من عبء بواتنغ وإشراك أنطونيو روديغر ولو أن الأخير لم يثبت نفسه في شكلٍ كبير في المباريات التي حصل فيها على فرصة اللعب أساسياً، لكنه يبقى صاحب قدرات دفاعية جيدة ولديه السرعة المطلوبة.
وبعيداً من مارفن بلاتنهاردت الذي سيعود احتياطياً مع عودة جوناس هكتور، وهو غير الجدير اصلاً باللعب اساسياً، والدليل انه لم يتقدّم للعب دور الظهير العصري وتشكيل الخطورة عبر عكس العرضيات، فإنه يفترض على لوف تأمين المساندة لجوشوا كيميتش، الذي ما أن يتقدّم لمواكبة الهجوم ينكشف الرواق الأيمن في ظل عدم وجود لاعبي وسط قادرين على القيام بالواجب الدفاعي.
وهذه المشكلة تلقفها المكسيكيون منذ اللحظات الأولى فقاموا بالتركيز على سرعة لوزانو عبر إمداده بالكرات الطويلة للانطلاق نحو المنطقة الألمانية، فجاء الهدف الوحيد من خلاله. لكن المشكلة الأكبر كان ذاك الفراغ الذي ظهر في العمق عبر لاعبَين تحديداً هما مسعود أوزيل وسامي خضيرة اللذان إذا ما استبدلهما لوف بآخرين يتمتعان بدماء شابة فإنه سيكون قد قام بضربة معلّم، وهو الذي يملك لاعباً خلاّقاً ونشيطاً مثل ليون غوريتسكا، ولاعبَين آخرين يتقنان لعب دور مزدوج أي سيباستيان رودي وإيلكاي غوندوغان، إضافةً إلى جوليان براندت الذي قدّم في خمس دقائق أداءً يفوق ما قدّمه أوزيل طوال 90 دقيقة.
نقطة أخرى على هذا الصعيد وهي كيفية تصفية ذهن طوني كروس للعب دورٍ قيادي وهو الذي يبدو منزعجاً من تلكؤ زملائه الذين يلعبون حوله، فأبدى امتعاضه (لدرجة التكبّر) في حالات كثيرة، وهي نقطة غير صحية أبداً.
كذلك، لا بدّ أن يتمتع مدرب "المانشافت" بالجرأة لسحب توماس مولر وإشراك ماركو رويس أساسياً على الجهة اليمنى، إذ إن لاعب بايرن متراجع جداً، وهو دائماً ما يعانيه عندما يلعب في مركز الجناح، لذا وفي رفض فكرة عدم إشراكه أساسياً فإنه على الأقل يمكنه الدفع به في مركز رأس الحربة، ولو أن هذا الأمر سيشكل ظلماً للمهاجم المجتهد تيمو فيرنر، الذي ينتظر إيصال الإمدادات إليه ليقوم بما يبرع به أي تسجيل الأهداف.
هل ستعود ألمانيا؟ هو أمر غير مستبعد في حال قام لوف بخطواته الشجاعة، واستناداً إلى أداء ألماني أظهر أن الشخصية القوية لا تزال موجودة لدى بطل العالم، والدليل ما قام به من ضغطٍ رهيب في الدقائق العشرين الأخيرة أمام المكسيك، التي كانت محظوظة بالخروج متعادلة. لكن كل هذا يتوقّف عند الفوز على السويد لتكون الانطلاقة الألمانية الحقيقية في المونديال الروسي.



بكنباور متفائل وينتظر تغييرات
أكد أسطورة منتخب ألمانيا، «القيصر» فرانتس بكنباور، أن المنتخب الحالي قادر على تخطي الهزيمة في الجولة الأولى والمنافسة على اللقب.
وقال بكنباور، خلال تصريحات صحافية: «يجب أن يستعيد الفريق قوته وتوازنه. إذا واصلنا اللعب بالأداء الذي ظهرنا به ضد المكسيك، لن نفوز بأي مباراة». وأضاف: «أعتقد أن يواكيم لوف سيجري بعض التغييرات، وسنجد إيقاع المنافسة في كأس العالم». وختم: «ما يحدث حالياً مع المنتخب الألماني يذكرني بما حدث معنا في مونديال 1974، حين تلقينا الخسارة بهدف نظيف في بداية البطولة، ثم اجتمع الفريق كلّه وتحدثنا عن المشاكل التي نعاني منها، وانتهى الأمر بالتتويج باللقب».
بدوره، تحدث سامي خضيرة عن التغييرات المرتقبة، قائلاً: «لا نتحدث هنا عن لاعبَين دخلا أو لاعبَين خرجا، إذا لعبنا بالطريقة نفسها التي ظهرنا بها أمام المكسيك، لن يتغيّر شيء». وأضاف: «أعرف أنني لم أظهر في شكل جيد في المباراة الأولى، وهذا له عدة أسباب تكتيكية في الفريق». كما دافع عن مستواه أمام المنتخب المكسيكي، قائلاً أن المساحة بين خط الوسط والدفاع، كان من المستحيل حمايتها. وأوضح: «كنت بحاجة لأوساين بولت وعداء سريع آخر، لتغطية كل هذه المساحة. لم يكن في إمكان أي لاعب من الموجودين هنا فعل هذا».