حضور مليوني للمشجعين احتضنته المدن الروسية منذ بدء المونديال حتى الآن. حضور قد يصل لأكثر من مليونين في نهائي العرس. حتى الآن بيعت 2.6 مليون تذكرة، يعود 872.578 منها الى أصحاب الأرض. تواجه روسيا الآن تحديات كبرى على الصعيد اللوجستي، والثقافي والأمني، خاصةً من أساليب التشجيع. رغم ذلك تعمل لجان المشجعين لإحراز هدف مونديالي على طريقتهم، هو رسم لوحة بعنوان «روسيا لا تُنسى ومليئة بالألوان».
(أ ف ب ) | انقر الصورة للتكبير

«لم أر بلداً بذلَ هذا الكم من الجهد للترحيب بالمشجعين». بهذه الكلمات عبّر رئيس الفيفا جياني انفانتينو، عن المشهد العالمي الذي عُرض في روسيا، أبطاله هم محبو كرة القدم في مختلف أنحاء العالم، والذين لا يحبّونها أحياناً. المثير في الأمر، أن عدداً كبيراً من المشجعين قدموا الى روسيا لمشاهدة المونديال من دون أن يكون منتخبهم مشاركاً في هذه النسخة. مثلاً فشلت الولايات المتحدة الأميركية والصين في التأهل لكأس العالم، لكن ذلك لم يمنع جماهير الدولتين من حجز التذاكر الى روسيا. الإحصاءات الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا اشارت الأسبوع الماضي الى أن المشجعين القادمين من الولايات المتحدة والصين، يعدّون من بين أكبر 10 مشترين لتذاكر روسيا هذا العام. فقط الدولة المضيفة حصلت على نسبة تفوق الاميركيين في شراء التذاكر. وتشير احصائيات الفيفا إلى أن دولاً كبرى كإنكلترا، التي عادة تحظى بنسبة مهمة من المشجعين في النسخ الماضية، شهدت انخفاضاً حاداً في نسبة المسافرين هذا العام. والأسباب معروفة وسياسية. اللافت، أنه وفي شوارع موسكو، ينتشر الكثير من المشجعين الأميركيين، يهتفون بأسماء دول أميركا اللاتينية، يعود هذا الاهتمام للروابط العائلية والثقافية التي تجمع القارتين إضافة الى الكثير من المشجعين الصينيين الذين يناصرون أبطال العالم.

ما قصة المقاعد الخالية؟
بات موضوع التذاكر من أولويات الكثيرين في روسيا والعالم وخصوصاً في المباريات الافتتاحية للبطولة، مع بروز بعض المباريات التي شكّلت العلامة الفارقة في سجل حضور أهم حدث في العالم. عندما لعبت الأوروغواي مع مصر في يكاترينبورغ يوم الجمعة الماضي، بدا أن مساحة كبيرة من المقاعد كانت فارغة طوال مدة اللعبة. فتح الفيفا تحقيقاً في السبب وراء خلوّ ما يقدّر بنحو 5263 مقعداً في صفوف المشجّعين، على الرغم من أن عدد التذاكر التي لم تُبع كان فقط 783. أين ذهب المشجعون؟ الإجابة بعد تحقيق الفيفا ربما. أما الحال الأسوأ فيذهب الى بريطانيا، حيث صرحت السفارة البريطانية أن عدد المشجعين على المدرجات في مجموع المباريات الثلاث سيصل تقريباً الى 10.000 مشجع فقط، بعد قرار المملكة المتحدة بعدم إرسال وفد رسمي الى روسيا، بعد حادثة الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في ساليزبري في وقت سابق من هذا العام، اضافة الى المخاوف من حدوث أعمال شغب جديدة بعد المواجهات العنيفة بين مشجعي انكلترا وروسيا في يورو 2016 في فرنسا. وأورد اتحاد كرة القدم أنه تم بيع 2000 تذكرة فقط للمباراة الافتتاحية ضد تونس، بما فيها تذاكر أصدقاء وعائلات اللاعبين، على الرغم من أنه كان متوقّعاً أن يزيد العدد قليلاً من قِبل الذين اشتروا تذاكرهم من خلال الإنترنت.
لفت عشاق ومشجعو دول أميركا الجنوبية الأنظار وهم يسيرون ويهتفون في شوارع روسيا


وقد اتَّضح في الأيام القليلة التي سبقت مباراة تونس وإنكلترا، أن عدد الجماهير التونسية سيفوق عدد المشجّعين في المدرّجات الإنكليزية بملعب فولغوغراد، الذي عملت الطائرات المروحيّة على رشّه بالمبيدات الحشرية للتعامل مع سرب البعوض الذي أحاط بالمدينة. ومع وجود العديد من المخاوف الأمنية، يبدو أن كأس العالم هذا العام شهد تحولاً كبيراً في مبيعات التذاكر، رغم وجود مشجعين من دول كرة القدم التقليدية، الذين غالباً ما يبقون في المنزل. يعوّض عن هؤلاء حضور مشجعين يأتون من بلدان لا تشارك فرقهم في المونديال، فيما يبدو كما لو أنه جزء من مشروع عولمة كرة القدم، وشهادة على ذلك، الشعبية العالمية لكأس العالم. لا شيء يحارب هذه الشعبية، إلا «الدعاية» ضدّ روسيا، وهي دعاية فاشلة تماماً حتى الآن.

الدولة البوليسية اختفت
لفت عشاق ومشجعو دول أميركا الجنوبية الأنظار وهم يسيرون ويهتفون. يشربون الكحول منذ ساعات الصباح الأولى في الشوارع الروسية ويحتفلون. «الدولة البوليسية»، هذا الشعار التخويفي، كان ينتظر العديد من الزائرين، لكن ما حدث أن الشرطة لم تتخذ أي إجراء بحق هولاء. ففي المدن الصغيرة مثل سارانسك تنتشر عناصر الشرطة الكولومبية والبيروفية، من دون التعرض لأي من المشجعين الحاملين للرايات والأعلام. المهم هو الاحتفال. وقد أدى الانتصار الأول للفريق المضيف على السعودية إلى تصاعد جنون الجماهير. ضجّت الشوارع الروسية بالأغاني الشعبية وامتلأ مترو سانت بطرسبرغ بالأعلام الروسية. في موسكو، رقص الآلاف في الليل، وتم إغلاق العديد من الطرق بسبب المسيرات المليئة بالمشجعين، تحت أنظار الشرطة. باعتقاد المشجعين أن أجواء الاحتفالات في كأس العالم ستظهر للزوار أن روسيا بلد الترحيب والضيافة، رغم تراجع العلاقات مع الغرب الى أدنى مستوياتها في فترة ما بعد الحرب الباردة. إلى ذلك، يبدو أن التمايل مع الأنغام الصادرة عن المشجعين في الشوارع الروسية، يختلط بين العرب واللاتينيين وبقية الشعوب. ثمة حضور عربي لافت من مشجعي كرة القدم، واكبه تشجيع روسي واضح للفرق العربية واحتفالات لا تُنسى مع المشجعين الذين حضروا من البلدان العربية. وقد غصّت الساحة الحمراء، القلب النابض لموسكو ومقر الكرملين، بالمشجعين الذين «تفننوا» في اختيار ملابسهم وزينتهم. عرفوا استقبالاً بحفاوة كبيرة من قبل الروس، حتى أن العديد منهم قرر تشجيع المنتخبات العربية. وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لروسيات يحاولن الغناء بالعربية ومنها الأغنية التونسية الشهيرة «يا روسيا هاو جايين». كما حضرت اللغة الروسية عند العرب فكانت كلمة «سباسيبا» أكثر الكلمات المرددة بين الجموع. يترافق ذلك مع وجود مجموعة من الشباب أمام آلاتهم البسيطة لعزف أنغام لاتينية تقليدية، تشد انتباه المارة، وآخرون اختارو رقص السالسا والسامبا وتعليم من لا يعرف الخطوات الرئيسية للرقصات الأبرز في العالم.
مواقف عدّة أثارت إعجاب الروس، وربما دفعتهم لمساندة الفرق العربية، بما صدر من المشجعين. زف مصريون عروسين وجدوهما في الساحة الحمراء وشاركوا في صور الزفاف. وكذلك، ألبس تونسيون عروسين آخرين الشاشية التقليدية. ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تجمع بين العرب الذاهبين للاحتفال، والروس الذين يريدون الاحتفال بدورهم. مشجعون من موسكو ينقلون أن الروس متمسكين بمقولة «لا نترك أصدقاءنا». وربما تفسر هذه المقولة موقف الروس ودعمهم للمنتخبات العربية على وجه التحديد. أغلبهم لم ينسوا المغربي مبارك بوصوفة، أكبر صديق لروسيا، الذي ترك بصمته الكروية في الدوري الروسي الممتاز لكرة القدم لأكثر من خمس سنوات اعتباراً من بداية العقد الحالي، وذلك من خلال لعبه ضمن نادي آنزي. ما زالت الجماهير الروسية تتذكر تلك الأيام التي أبدع فيها النجم المغربي وخاصة مشجعي الناديين الذي لعب فيهما. حب الجماهير الروسية لبوصوفة جعل أسود الأطلس يحظون بتأييد الروس في هذا المونديال. يبدو أنه، ولوقت طويل، سيبقى مونديال روسيا الأقرب إلى قلوب العرب نظراً لمشاركة أربع دول عربية فيه، وتمكّن الآلاف من المشجعين العرب من الحصول على فرصة السفر إلى روسيا ومواكبة الأجواء الساحرة لهذا العرس العالمي حتى وإن كان المشوار قصيراً.