أصبح خروج البطل عقدة في كأس العالم. حدث الأمر في جنوب إفريقيا في 2010 حيث ودعت إيطاليا البطلة في برلين 2006، وتكررت الحادثة بعد أربع سنوات في البرازيل. وعادت اليوم ألمانيا لتثبت الأمر. إسبانيا أصيبت بخيبة الخروج من دور المجموعات في البرازيل، في جيل عرف المجد وسيطر على الكرة العالمية، من اليورو في سويسرا والنمسا، مروراً بالقارة الإفريقية وصولاً إلى بولندا وأوكرانيا 2012. بعدها أخذ المنتخب الإسباني يتراجع شيئاً فشيئاً، فخسر في افتتاح مبارياته في كأس العالم الماضية 6 ــ 1 أمام هولندا، وخرج تحت قيادة ديل بوسكي الذي أوصله إلى النجمة الأولى من الدور الأول. لكن منتخب «لا فوريا روخا» نجح في تخطي دور المجموعات، وصولاً إلى ثمن النهائي. أما في ما يخص روسيا، فالمونديال الذي تنظمه في ديارها يعدّ الأنجح لها؛ إذ استطاعت الوصول إلى دور الـ 16 لأول مرة في تاريخ بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي. وأثبتت أن مشاركتها في المونديال مستحقة، ليست لأنها المستضيفة فقط.بداية البطولة لم تكن باردة على المنتخب الإسباني. أقال اتحاد اللّعبة في البلاد المدرب جولين لوبيتيغي قبل يوم فقط على انطلاقة كأس العالم وثلاثة أيام من مواجهة البرتغال في المباراة الأولى ضمن المجموعة الثانية. عيّن فرناندو هييرو مدرباً للفريق، وباتت مخاوف الجمهور الإسباني تلوح في الأفق. تعادلت إسبانيا في مباراتها الأولى (3ــ3). مباراة أثبتت أن إسبانيا تعاني في خط الدفاع، لكنها قادرة على التسجيل في أي وقت تريد، وتعرف كيف تصل إلى المرمى مهما اختلفت الظروف. طريق منتخب «لا روخا» لم يكن مفروشاً بالورود حيث انتصرت بشقّ الأنفس على إيران وتعادلت مع المغرب في الدقائق الأخيرة، وبقي مصير تأهلها على حافة الهاوية حتى اللحظات الأخيرة من المباراة الثالثة في المجموعة، لتتصدر بفارق الأهداف فقط. المهم أن هييرو نجح في تخطي دور المجموعات، ومراجعة الخيارات يجب أن تكون حاضرة قبل الدور الذي لا مجال فيه لفرصة ثانية.
كعب إسبانيا يعلو كعب روسيا كروياً، وسيدخل هييرو متسلحاً في التاريخ حيث واجهت روسيا إسبانيا مرتين في يورو 2008 وكان التفوق فيها للإسبان في العاصمة النمساوية فيينا. لكن يعاني المنتخب الإسباني من عدة مشاكل، لعل أبرزها بنظر المراقبين الإكثار من الاعتماد على الكرات العرضية، وهو الأمر الذي قد يستخدمه في مباراة روسيا في حال تراجُع الخصم إلى الخلف، خصوصاً أن دفاع المنتخب الروسي يتمتع بقامة عالية. لا بد من التنويع بطريقة اللّعب لخلق حلول أكثر في حال تعذُّر الوصول إلى المرمى، الأمر الذي لم يحدث في مباريات إسبانيا الثلاث. في التصفيات كانت إسبانيا تسجل أهدافاً من التمريرات في عمق الدفاع، الأمر الذي غاب مع هييرو في دور المجموعات، ما أدى إلى التقليل من فعالية إنييستا وسيلفا. الاستحواذ لا يكفي للانتصار، كذلك دائماً ما تأتي تغييرات هييرو في وقت متأخر. في التعادل مع المنتخب البرتغالي في المباراة الأولى، يحسب للمدرب أنه استطاع فرض الاستقرار والهدوء لدى اللاعبين، حيث أظهر المنتخب الإسباني رغم كل الأمور التي تعرض لها مع انطلاقة البطولة أنه قادر على تحمل الضغوط.
كعب إسبانيا يعلو كعب روسيا كروياً، وسيدخل هييرو متسلحاً بالتاريخ


يعدّ إيسكو أفضل اللاعبين الإسبان في دور المجموعات، إذ نجح في تسجيل هدف جاء في مرمى المنتخب المغربي، كذلك إن معدل التمريرات الصحيحة 92.9%. وبلغ معدل استحواذ المنتخب الإسباني 67.8%، وتخطت نسبة التمريرات الصحيحة 90%. أرقام توضح أن المنتخب، رغم أدائه المتواضع، لا يزال مرشحاً للمضي قدماً. المنتخب الروسي لن يكون لقمة سائغة لإسبانيا، حيث قدم أبناء موسكو مستوى عكس المتوقع في دور المجموعات. حلّ المنتخب الروسي في المركز الثاني خلف الأوروغواي التي هزمته (3ــ0) في مباراة تحديد المتصدر عن المجموعة الأولى، لكن الظروف كانت صعبة، فلعب المنتخب منقوصاً من تشيريشيف الذي طرد في الدقيقة 36. وبعيداً عن المباراة الأخيرة، أظهرت روسيا قوتها في مباراتي السعودية ومصر، ليس فقط لأن الخصمين كانا ضعيفين، بل لأن روسيا كانت منتخباً متماسكاً، ويقدم كرة جماعية يتخللها بعض اللمسات الفردية من ألكسندر غولوفين الذي سجل هدفاً وصنع اثنين وبلغ تقييمه في الدور الأول 8.26% في المجمل. افتتح الروس المونديال، وأسقطوا كل النظريات التي طرحت في الإعلام، والتي بُنيت على الوديات، فلم تظهر روسيا على أنها الفريق القادر على عبور دور المجموعات.
ستانيسلاف تشيرتشيسوف، المدرب الروسي، كان له دور مهم في التغيير المفاجئ الذي حلّ في أداء منتخب بلاده. قبل كأس العالم، كان الاعتماد على ثلاثة في خط الدفاع، نظراً لأن معظم فرق الدوري الروسي تلعب بهذا الشكل، لكن المباريات الودية أثبتت أن اللعب بهذا الأسلوب لا يصبّ في مصلحة الفريق. التغيير الجذري في خط الدفاع في المبارة الأولى من كأس العالم مغامرة تحتاج إلى الجرأة التي كانت حاضرة لدى تشيرتشيسوف الذي غيّر التشكيل بغية الحصول على لاعبين أكثر في وسط الميدان، وبهدف منح زيادة اللاعبين في خط الوسط. تغير التشكيل الروسي في مباراة السعودية إلى 4ــ2ــ3ــ1 دون ارتكاب أخطاء من قبل اللاعبين كان سبباً في الانتصار 5ــ0. ثقة روسيا لم تتغير في المباراة الثانية، دخلت روسيا بتغييرين: الأول كان اضطرارياً بدخول تشيرشيف بدلاً من دزاغوييف المصاب، أما الثاني فكان مفاجئاً، إذ شارك دزوبيا بدلاً من سمولوف. يبلغ طول دزوبيا 1.94، يتبادر إلى أذهاننا أن سبب دخوله هو الرغبة في الاعتماد على الكرات العرضية. لكن الأمر كان مختلفاً، فكلما ازداد الضغط على خط الدفاع الروسي من قبل اللاعبين المصريين، كانت الكرات الطويلة دون خسارتهم للكرة حلاً، نظراً لطول قامة المهاجم. ثمة عامل آخر تغير بحضوره، هو قدرته على مساندة لاعبي وسط الميدان، خصوصاً في ظل بنيته الجسدية القوية التي منحت زملاءه فرصة للخروج من وسط ملعبهم. نجحت روسيا في تخطي دور المجموعات بنجاح، وعرفت كيف تلعب كل مباراة على حدة.
تصبّ الترشيحات في مصلحة المنتخب الإسباني نظراً للإمكانات الحاضرة في تشكيلته والخيارات المتعددة لديه. لكن ليس بالبعيد أن تتأهل روسيا، خصوصاً في المونديال الذي تملأه المفاجأت، وذلك إذا لعبت روسيا بالروح التي كانت حاضرةً في أول مباراتين خاضتهما.