في مونديال فرنسا 1998 خسر دافور سوكر المهاجم الكرواتي ثلاثة كيلوغرامات في مباراة واحدة، كان ذلك أمام فرنسا المستضيفة والبطلة في النصف النهائي حيث خسرت كرواتيا (2ــ1) بعدها اختتمت البطولة بحلولها في المركز الثالث. وإذا كان سكور قد خسر هذا الوزن فما بالنا بقائد منتخب كرواتيا في كأس العالم روسيا، لوكا مودريتش قبل مباراة النهائي قطع مسافة ما يقارب 63 كيلومتراً في ست مباريات رقم يلخص الكثير من الأمور، أنه لا يمكنك فعل ذلك إلا إذا كنت أفضل متوسط ميدان في البطولة لا بل في العالم، وأنك اللاعب العازم على المضي قدماً وقيادة فريقك إلى أفضل نتيجة ممكنة، كما لا يمكننا أن نغض النظر عن أن مودريتش لعب نهائي دوري أبطال أوروبا في 26 أيار/مايو أي إنه لم يخضع لفترة راحة. وبعيداً عن نتائج الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» ومن هو أفضل لاعب في كأس العالم روسيا، فإنه لا أحد أجدر من مودريتش بجائزة أفضل لاعب في المونديال، ولم لا في العالم؟ بغض النظر عن المباراة النهائية ونتيجتها. قدم لوكا مودريتش مونديالاً أعاد فيه الذاكرة الكرواتية 20 عاماً، وأحيا آمال الكرواتيين بقيادته منتخب بلاده إلى النهائي في روسيا. مباراة روسيا في الدور الربع النهائي كانت ثاني المباريات التي تخوض فيها كرواتيا أشواطاً إضافية لعب فيها مودريتش 120 دقيقة، ممرراً 102 تمريرة بنسبة صحيحة بلغت 87%، صنع هدفاً واستطاع النجاح في 10 مراوغات أكثر من أي لاعب، منها 8 ناجحة وقطع 8 كرات، كذلك خرج بتقييم وصل إلى 8.8 ليفوز بجائزة أفضل لاعب في المباراة، حيث كانت هذه المباراة أفضل مباريات مودريتش من حيث الأرقام. استطاع مودريتش وزملاؤه التفوق على نيجيريا والأرجنتين وآيسلندا في الدور الأول ثلاثة انتصارات لتتصدر كرواتيا المجموعة. الدوري الثاني كان مختلفاً حيث عاش مودريتش لحظات صعبة. منح الحكم ركلة جزاء لكرواتيا في الدقيقة 116 حيث كانت النتيجة متعادلة (1ــ1)، لكن مودريتش لم ينجح في تسجيل الركلة لتذهب المباراة إلى ركلات الترجيح. لم يستسلم مودريتش وكان أول من سدد من جانب المنتخب الكرواتي لكنه في المرة الثانية لم يضيع ركلة مظهراً شخصية متماسكة حيث لم يختبئ أو يتوارى عن الأنظار إنما كان نِعم قائد لمنتخب وطني.
ودع كل من كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي المونديال مبكراً في دور الستة عشر ولحق بهما نيمار في دور الثمانية بعد سقوط البرازيل أمام بلجيكا، ووصل مودريتش إلى النهائي. ليس من السهل أن يلقبك جمهور كرة القدم «كرويف كرواتيا» حيث كان ذلك منذ بداية اللاعب مسيرته الكروية في دينامو زغرب، الأسماء ثلاثة التي ذكرت آنفاً ودعت كأس العالم مبكراً وبقي مودريتش لتعلو الأصوات في الكثير من الوسائل الإعلامية الرياضية: «امنحوا مودريتش جائزة أفضل لاعب في العالم». ديان لوفرين زميله في المنتخب قال بعد مباراة روسيا: «لو كان يلعب لصالح ألمانيا أو إسبانيا كان سيحظى باهتمام أكبر وربما اختير اللاعب الأفضل في العالم، ولكن بما أننا بلد صغير فهو يحظى باهتمام أقل مما يستحق».
وإذا كان مودريتش (32 عاماً) الأفضل في البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين والنصف، فإنه شغل في ريال مدريد منصب «رجل الظل»،، لكن محللي كرة القدم ومتابعيها يعرفون أنه لا يقل قيمة عن أي من زملائه وأن ريال مدريد بدون مودريتش مختلف تماماً عن وجوده. نجح لوكا في حصد أربع بطولات في دوري أبطال أوروبا مع «الملكي» في المواسم الخمسة الأخيرة، لكن نسبة التمرير الصحيحة في البطولة الأخيرة كانت الأفضل بالنسبة له. لعب 11 مباراة مرّر فيها بنسبة صحيحة بلغت 90%. رقم يستحق التأمل. أخطاؤه يمكن إحصاؤها بعدّها على أصابعك.
أصبح مودريتش اليوم أقرب من أي وقت لكسر ثنائية ليونل ميسي وكريستيانو رونالدو اللذين سيطرا على جائزة أفضل لاعب في العالم والكرة الذهبية لعشر سنوات متتالية، تقاسما فيها الجائزة بالتساوي (خمس لكل منهما)، وربما حان الوقت لكي نسمع اسماً جديداً على منصة الأفضل.