على مدى العشرين عاماً الماضية، كان الجميع في لبنان يتمنّى أن يكون جزءاً من «مشروع» كرة السلّة، أو أن يستثمّر في الرياضة التي كانت تدرّ الملايين. دارت الأيّام بما لا يحب أهل اللعبة ولا يتمنون، كرة السلّة تراجعت على المستويين الإداري والفني. المُعلنون هجروا اللعبة وناسها، حتى الأحزاب التي كانت تَعتبر جماهير اللعبة فِئة مستهدفة للاستثمار الانتخابي لم تعد تعنيها اللعبة، الجميع رحل ولم يبقَ من كرة السلّة إلا جسد متداع، يستقيل الاتحاد ويعود عن استقالته ولا أحد يهتم أو يسأل حتى. والآتي لا يعد بالأفضل.
انعكست الخلافات على منتخب لبنان خلال تصفيات كأس العالم (مروان بو حيدر)

لم يعد خافياً على أحد حجم الأزمة في كرة السلّة اللبنانية. اتحاد اللعبة يرزح تحت أكثر من مليون ونصف المليون دولار من الديون بعد بطولة آسيا الأخيرة التي استضافها لبنان في آب/أغسطس الماضي (خرج حينها منتخب الأرز على يد إيران من الدور ربع النهائي). كَثُرت الخلافات بين أعضاء الاتحاد، طالب بعضهم الرئيس بيار كخيا بالاستقالة. رفض الأخير بدايةً وبقيت المراوحة أشهراً داخل الاتحاد وهو ما انعكس سلباً على الدوري المحلي ومنتخب لبنان خلال تصفيات كأس العالم المقررة في الصين عام 2019. استمرّت المراوحة ولم يحصل أي اختراق في جدار الأزمة. جاء موعد بطولة دبي الدوليّة التي تشارك فيها أندية لبنانيّة. حينها حصل اتفاق يُعرف في الوسط الرياضي السلّوي بـ«اتفاق دبي» بين كخيا ومنافسه على رئاسة اتحاد كرة السلّة في انتخابات عام 2016 أكرم الحلبي «رئيس لجنة المنتخبات الوطنية المستقيل حاليّاً»، يقضي بإسقاط اللجنة الإدارية عبر استقالة 8 من أعضاء الاتحاد. الاتفاق لم ينجح. استقال 7 أعضاء من أصل 15 عضواً، وهو أقل من النِصاب القانوني لسقوط اتحاد اللعبة. رفض غالبيّة أعضاء الاتحاد اتفاق كخيا ـ الحلبي، والذي كان الهدف منه بحسب مصادر مُتابعة أن تتم دعوة الجمعيّة العموميّة بعد الاستقالة لانتخاب الحلبي رئيساً جديداً لاتحاد جديد. حتى أن رؤساء اتحادات سابقين رفضوا «اتفاق دبي» وقصدوا مراجع سياسيّة مسيحيّة للاعتراض على ما يحصل، خاصة أن كخيا شغل منصب رئيس مكتب الرياضة في القوات اللبنانيّة، بينما الحلبي شغل منصب رئيس المنشآت الرياضيّة في التيار الوطني الحر.
مكانك راوح. استمّر الأخذ والرد داخل الاتحاد، تمنّت اللجنة الإدارية على كخيا والأعضاء المستقيلين العودة عن استقالاتهم لمواصلة العمل. ولكن كخيا أصر على الاستقالة، وقدّم استقالة ثانية من رئاسة الاتحاد وعضوية اللجنة الإداريّة على السواء. وخلال هذه الفترة كان أكرم الحلبي قد عُيّن كرئيس للجنة المنتخبات الوطنيّة. ولكنه عاد واستقال مرتين، الأولى في آذار/مارس الماضي، والثانية قبل نحو أسبوعين بعيد مباراتي منتخب لبنان مع الأردن وسوريا في تصفيات كأس العالم. مكانك راوح.
كأن اللعبة باتت عبئاً على الجميع بعد أن كانت في يوم من الأيّام محط اهتمام الجميع


أمّا كخيا فعاد قبل نحو أسبوعين، ووجّه كتاباً إلى وزارة الشباب والرياضة للتراجع عن استقالته التي تقدم بها من رئاسة الاتحاد وعضوية اللجنة الإدارية، ولكي يعود ويمارس مهامه في اتحاد كرة السلّة، لكن اللجنة الإدارية للاتحاد عقدت جلسة استثنائيّة رفضت خلالها بإجماع الأعضاء الثمانية عودة كخيا عن استقالته، مذكرةً بأنها كانت قد تمنت عليه وعلى باقي الأعضاء المستقيلين العودة عن الاستقالة في وقت سابق ولكنهم لم يصغوا إليها. ورغم كل هذه التطورات، والتي تستمر منذ نحو عام وتنعكس على الدوري المحلي والنقل التلفزيوني والإعلانات داخل الملعب، وحتى على المنتخب الوطني خلال استحقاق تصفيات كأس العام 2019، فإن المرجعيات في البلد لم تُعر أيّ اهتمام للموضوع كما في السابق، على قاعدة ليستقِل من يريد ويبقى من يريد، الأهم أن تنتهي البطولة، كيف تنتهي في المكاتب أو على أرض الملعب لا يهم، أصلاً لم يعد هناك لعبة. حتى أن كل الخلافات وتراجع اللعبة إداريّاً وفنيّاً لا يحضر على طاولة أحد، وكأن اللعبة باتت عبئاً على الجميع، بعد أن كانت في يوم من الأيّام محط اهتمام الجميع، الذين كانوا يستفيدون منها ماديّاً خاصة خلال الفترة الذهبية مع الرئيس الراحل أنطوان شويري، ونهضة نادي الرياضي بيروت مع رئيسه التاريخي هشام الجارودي، ودخول المستثمرين والمعلنين بقوّة. حتى أن الإنجازات التي تحققت منذ عام 1998 على صعيد المنتخب والأندية في بطولات آسيا والعرب، ومشاركة لبنان في ثلاث كؤوس عالم لم تشفع لكرة السلّة، فها هي ترزع تحت عبء ثقيل يتمثل بالديون، وتخبط إداري كان يمكن أن يطيح بالدوري الموسم الماضي الذي تم إكماله بصورة «مضحكة مبكية»، والخلافات والأحداث «فنيّاً إدارياً وجماهيرياً» التي شهدتها سلسلة النهائي بين الرياضي بيروت وهومنتمن بيروت تشهد على ذلك.
الموت البطيء لكرة السلّة اللبنانيّة، والديون الكبيرة التي ترزح تحتها الأندية والاتحاد على حدّ سواء، دفعت بإدارات ورؤساء وممثلي الأندية المحليّة الناشطة في دوري الدرجة الأولى إلى الاجتماع الأسبوع الماضي، لبحث آخر التطورات. وعقد اجتماع غاب عنه ممثلو ناديي المريميين الشانفيل والرياضي جبيل، تم خلاله مناقشة وضع اتحاد اللعبة والفشل الكبير في الإدارة وتراكم الديون، وهو الأمر الذي «أدخل اللعبة النفق المظلم والذي قد يؤدي إلى تدميرها». وطالبت الأندية الاتحاد الحالي بدفع مستحقاتها المالية من عائدات النقل التلفزيوني، وجميع المستحقات التي هي من حق النوادي بينها بدل عائدات دخول الملعب، وطالب المجتمعون الاتحاد بالاستقالة مع الإبقاء على تصريف الأعمال لضمان انطلاق الموسم المقبل. واقع مأساوي تعيشه كرة السلّة اللبنانية، يجعل الجميع يخشى الاقتراب منها. العجز المالي والفشل الإداري يخيفان أي أحد، خاصة أن المستثمرين والمعلنين فقدوا الثقة تماماً باللعبة، كما أن عدم وجود غطاء سياسي يفاقم من حجم الخوف لدى البعض. وهذه نقطة مهمة في بلد كلبنان. اللعبة تغرق بشكل سريع، ولا يبدو أن الحلول قريبة، بل هو كباش مستمر، كباش خاسر.



معاناة الحكمة مستمرة


بعد إعلان نادي اللويزة لكرة السلّة عدم قدرته على الاستمرار في المنافسة ضمن دوري الدرجة الأولى بسبب الأعباء الماليّة الكبيرة، وفي ظل الظروف المالية الصعبة لأندية بيبلوس والأنطونية والتضامن الذوق يبدو أن المشكلة الأكبر تبقى في نادي الحكمة. بعد موسم عانى فيه النادي الأمرّين على الصعيد المالي، نقلت مصادر عن قائده نديم سعيد أنّه تبلغ من إدارة «القلعة الخضراء» أن الوضع المادي حرِج وصعب والفريق في الموسم المقبل لن يكون منافساً على اللقب، لذلك قامت الإدارة بمنحه الحريّة الكاملة إذا كان يرغب بالتعاقد مع نادٍ آخر. وكان صانع ألعاب الحكمة علي مزهر قد انتقل إلى نادي المريميين الشانفيل.