لفترةٍ طويلة حمل «راية» تشلسي مدرّبون إيطاليون. يحملها الآن ماوريتسيو ساري خلفاً لأنطونيو كونتي. العلاقة الإيطالية مع نادي «البلوز» تشيلسي واضحة، فمن جيانلوكا فيالي وزولا، إلى دي ماتيو وكلاوديو رانييري، مروراً بكارلو أنشيلوتي، وصولاً إلى كونتي، يبدو اتكال الفريق اللندني على العقلية الإيطالية جلياً. جميعهم «أيقونات» تدريبية إيطالية مرّت في تاريخ أحد أفضل الأندية الإنكليزية في السنوات العشر الأخيرة. وعندما نقول أيقونات، فلا نتّصف بالمبالغة، بل على العكس تماماً، فجميع المدربين الذي تم ذكرهم قد كتبوا تاريخهم الخاص في عالم كرة القدم. الآن المسيرة تستمرّ، ولكن الأمر اليوم مختلف عن الأمس. صحيح أن ساري مدرّب إيطاليّ جديد ينضم إلى القائمة، إلاّ أنه ليس «إيطالي الهوى» كما غيره من المدربين الإيطاليين.كما يعلم الجميع، فإن فترة مدرب نادي يوفنتوس السابق أنطونيو كونتي في تشيلسي لا يمكن وصفها بالفاشلة. إنها أقرب إلى أن تكون تجربة ناجحة للمدرب نفسه، على عكس تشيلسي تماماً. الأمور تختلف قليلاً بين المدرب والفريق. فكونتي في أوّل مواسمه مع «البلوز»، قاده إلى تحقيق لقب الدوري الإنكليزي «الصعب» بعد أن استقدم عدة لاعبين على «مزاجه» الخاص. النتيجة كانت إيجابية جداً، فالفوز بالدوري الإنكليزي ليس بالأمر السهل، خصوصاً أن هذه التجربة تعُتبر الأولى لكونتي خارج أسوار إيطاليا. طريقة دفاعية 3-4-3 اعتمدها كونتي خلال جميع مباريات الدوري الموسم المقبل الماضي، مستقطباً أفكاره «ذاتها» التي كان قد اتبعها في يوفنتوس. انتقلت هذه الفكرة إلى معظم الفرق الإنكليزية. بتنا نلاحظ أن أفكار كونتي انتقلت إلى أغلبية الفرق الأخرى التي بدأت باعتماد هذه الخطّة «السحرية» من قبل أحد عباقرة التدريب. وعلى سبيل المثال: توتنهام.
لكنه موسم واحد انتهى بطريقة «وردية». الموسم الثاني لكونتي في ستامفورد بريدج لم يكن مماثلاً أو شبيهاً للموسم الأوّل «الأسطوري». فمن ثوب البطل، انتقل كونتي ولاعبوه لينهوا الموسم قابعين في المركز الخامس الذي لا يكفي بالنسبة إلى «ناكر الجميل»، الرئيس الروسي لنادي تشيلسي، رومان أبراموفيتش. أقيل كونتي، رغم تحقيقه لقب كأس الاتحاد الإنكليزي على حساب مانشستر يونايتد. لكن هناك عدّة عوامل جعلت من «أبرا» يقيل المدرّبَ الذي أعاد منذ سنتين لقب الـ«برمييرليغ» إلى خزائن النادي من جديد: إنهاء الموسم في المركز الخامس، والذي يعتبر ليس جديراً ليكون لنادٍ بحجم تشيلسي (على الأقل في السنوات العشر الأخيرة)، عدم التأهل إلى دوري أبطال أوروبا ليس خبراً جيداً، وقد يحرم تشيلسي من استقطاب لاعبين جدد في صدد تحسين «التوليفة» والتشكيلة للموسم المقبل. هكذا خرج كونتي، وهكذا خرج المدربون الإيطاليون الذين سبقوه بعد أن حاولوا تقديم أفضل ما لديهم لخدمة نادٍ لم يتوقّع أحد بأن تصبح علاقته مع إيطاليا والكرة الإيطالية والمدربين الإيطاليين كعلاقة أب وابنه.
استقدم ساري جورجينيو أحد أفضل الممررين في أوروبا خلال الموسم الماضي


مع ذكر المدربين الإيطاليين الذين مرّوا على تشيلسي، لا يمكننا أن ننسى «العرّاب الإيطالي» كارلو أنشيلوتي، الذي قاد تشيلسي للفوز بثنائية الدوري والكأس خلال موسم واحد (2009-20010). عظمة مدرّب نابولي الجديد، لا تقتصر على تشيلسي، بل إن ما فعله المدرب الإيطالي في تشيلسي لا تمكن مقارنته بما قام به مع ناديه المحبب ميلان: ثمانية ألقاب خلال أربع سنوات. الفكرة هنا تكمن، في أن تشيلسي، النادي الذي لا يحمل على كتفيه تاريخه الخاص، ونقصد هنا ما قبل تسعينيات القرن الماضي، إلّا أنه قد بنى تاريخه الخاص وأصبح من بين أهم الفرق الأوروبية. وأكبر دليل على ذلك هو مجيء عدّة مدربين كبار إلى النادي اللندني في السنوات الأخيرة (مورينيو، كونتي، أنشيلوتي، رانييري، غوس هيدينك وأخيراً ماورتسيو ساري). هناك أيضاً، من بين المدربين الذين مرّوا على تشيلسي، مدرب إيطالي أيضاً، لا يمكن اعتباره بالمدرب الكبير، إلّا أنه حصد ما لم يحصده هؤلاء المدربون السابقون الكبار. روبرتو دي ماتيو، اللاعب والمدرب الإيطالي الذي أحب تشيلسي أكثر من أيّ ناد آخر. دي ماتيو، المدرب الذي تصدّر اسمه عنواين الصحف الإنكليزية، بعد أن وصفَه جميعهم بالـ«مدرب المؤقت». هذا الـ«مؤقت»، تسلم مهام تدريب فريقه المفضّل بعد أن أقيل المدرب البرتغالي فيلاس بواس في منتصف الموسم. تسلم فريقاً منهكاً ومحبطاً معنوياً، لكن وحتّى هذه اللحظة، منذ 2012، لم يفهم أحد «السحر» الذي قدّمه المدرب المؤقت لهذا الفريق. فوز على برشلونة في نصف نهائي دوري الأبطال، وفوز بركلات الترجيح في النهائي أمام بايرن ميونيخ في معقله بين جماهيره في ملعب آليانز آرينا. الجدير بالذكر أن دي ماتيو، فاز بالنهائي على الفريق البافاري بتشكيلة، لم تكن لتفوز على أحد فرق الدرجة الأولى الإنكليزية (تشامبيون شيب). تشكيلة «متواضعة» يتقدّمها كالو الإيفواري، بيرتراند، جون أوبي ميكيل وغيرهم. لكن تشبّت روبيرتو بعقليته الإيطالية التي خوّلته أن يفوز على برشلونة، وبعد أن راجع ربما تاريخ من سبقوه من عقول إيطالية كتبت التاريخ في هذا النادي كما كتبه دي ماتيو.
اليوم مدرسة أخرى. إيطالي آخر: ماوريتسيو ساري، المدرّب الإيطالي «غير الإيطالي»، الذي ومع وصوله إلى النادي اللندني، استقدم معه أحد أفضل الممررين في الدوريات الخمس الكبرى الموسم الماضي: الإيطالي من أصل برازيلي جورجينيو. الأخير كان أحد أبرز أهداف «الفيلسوف» بيب غوارديولا، لكنّه في النهاية اختار الذهاب مع المدرّب الذي صنعه وصنع كرة إيطالية جديدة لم نرَها من قبل. لمن يعرف ساري، يعلم بأنه من نوعية المدرّبين الذين يعتمدون على طريقة لعب هجومية. قاد نابولي إلى تحقيق أكبر عدد نقاظ في الدوري في تاريخ النادي. بالإضافة إلى إحرازه رقم أكبر عدد من النقاط بالنسبة إلى فريق أنهى الدوري في المركز الثاني. جميعها أرقام تعطيك فكرة عن مدى «عبقرية» هذا المدّخن الشره. ولكن سيكون ساري على موعد مع تحدٍّ جديد، تحدي الخروج من «الريتم» الذي يلعب به «البلوز» منذ أكثر من عشر سنوات. طريقة تشيلسي الدفاعية مع كونتي ومورينيو وانشيلوتي وغيرهم من المدرّبين السابقين يبدو بأنها ستندثر في سماء ملعب ستامفورد بريدج. وقد تحلّ مكانها طريقة ساري، طريقة نابولي: «التيكي تاكا» الإيطالية. ولو أن هاتين الكلمتين غير متعلقتين ببعضهما البعض. لكن ساري عرف كيف يفك هذه العقدة في نابولي. أصبح نادي الجنوب الإيطالي من بين أفضل الفرق الأوروبية التي تقدم كرة قدم عصرية وجميلة. ماوريتسيو ساري مدرب صاحب فلسفة هجومية يعتمد فيها لعب الكرة من لمسة واحدة. يعتمد دائماً وفي جميع مبارياته على خطة 4-3-3. وعندما يخسر الفريق الكرة يعتمد أسلوب الضغط العالي في افتكاكها من الخصم. يمكننا القول بأن بعد وصول جورجينيو ووجود فابريغاس وكانتي يستطيع ساري الاعتماد على ثلاثي وسط قادر علي بناء اللعب بشكل جيد وتحت أي ضغط كان. أمّا في الهجوم فلديه ويليان وهازارد (الذي من المتوقّع أن يخرج من النادي هذا الصيف) وبيدرو وموراتا وجيرو. الأخير لا يتناسب ولا بأي شكل مع طريقة لعب ساري، أمّا موراتا فمن المحتمل أن يرحل هو الآخر عن تشيلسي بعد قضائه موسماً وحيداً، وذلك مع وجود احتمال انتقال لاعب ساري المحبب لقلبه، هغوايين الذي يتناسب معه كلّياً وقد لعب تحت قيادتة سابقاً في نابولي.
إذاً ومع وصول ساري، أصبح قد مرّ على مقاعد بدلاء ملعب ستامفورد بريدج خمسة مدربين إيطاليين، ممّا يعطي فكرة عن مدى التفاهم الكبير بين تشيلسي وعقلية المدربين الإيطاليين الذين يعتبرون أنفسهم يدربون أحد الفرق الإيطالية. لكن مع ساري سيكون الأمر مختلفاً، سيكون تشلسي هو من سيتأقلم مع المدرب وليس كما رأينا العكس في السنوات الأخيرة الماضية. ساري لديه الكثير.



مصير هازار وكورتوا بيد «الإدارة»


اعتبر المدرب الجديد ماوريتسيو ساري لفريق تشلسي الإنكليزي أن مصير حارس المرمى البلجيكي تيبو كورتوا والجناح إدين هازار بيد مجلس إدارة النادي الندني. وفي أول مؤتمر صحافي له أمام وسائل الإعلام، اعترف ساري (59 عاماً) الذي جاء بديلاً من أنطونيو كونتي، بأنه لا يكترث لسوق الانتقالات، إذ قال: «بوضوح، نريد دائماً الاحتفاظ بأفضل اللاعبين. هذا كل ما يريد القيام به أي مدرب وهذا كل ما يريده أي ناد».
وأضاف ساري الذي يعتبر أحد أفضل المدربين في إيطاليا والذي قاد نابولي إلى المركز الثاني في الموسم الماضي، «بعدها، يتعينّ علينا مراقبة كيفية سير سوق الانتقالات في الأيام المقبلة. أعتقد بأنني أحد المدربين الذين سئموا سوق الانتقالات».
وممّا لا شك فيه بأن ساري سيكون أمام تحدٍّ صعب، ففي الدوري الإنكليزي يوجد أفضل المدربين. ولا شك في أن التصريحات الأولى لساري ستسعد مجلس إدارة النادي اللندني وستشكل انسجاماً مع رغباته، وذلك لأن أحد أسباب تراجع العلاقة مع كونتي، هو عدم الرجوع إليه في الأمور التي تتعلق بالتعاقدات مع اللاعبين.
وفي هذا السياق، من الطبيعي أن يتمنّى مدرب نابولي السابق بقاء كلٍّ من كورتوا وهازار في صفوف فريقه الجديد. الأخير أدلى بتصريح «مفاجئ» بعد نهاية المباراة أمام إنكلترا في مباراة تحديد المركز الثالث من بطولة كأس العالم الأخيرة في روسيا حيث قال: «بعد ستة أعوام رائعة مع تشلسي، ربما حان الوقت لاستكشاف أمر مختلف». وأضاف «يمكنني أن أقرر ما إذا كنت أريد البقاء أو الرحيل، إلا أن القرار النهائي يعود إلى تشيلسي، إذا أرادوا السماح لي بالرحيل، فتعرفون وجهتي المفضلة».
هذا وقد أحرز هازار لقب الدوري الإنكليزي مع تشيلسي مرتين في 2015 و2017، منذ انضمامه من نادي ليل الفرنسي عام 2012.
من جهته، وقع ساري عقداً مع النادي اللندني لثلاثة أعوام ليصبح بذلك سادس مدرب إيطالي يشرف على الـ«بلوز» بعد جانلوكا فيالي (شباط/فبراير 1998 حتى 12 ايلول/سبتمبر 2000) وكلاوديو رانييري (أيلول/سبتمبر 2000 حتى أيار/مايو 2004) ومدرب نابولي الجديد كارلو أنشيلوتي (حزيران/يونيو 2009 حتى أيار/مايو 2011) وروبرتو دي ماتيو الذي قاده إلى لقب دوري أبطال أوروبا (آذار/مارس 2012 حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2012) وكونتي (تموز/يوليو 2016 حتى تموز/يوليو 2018).