ملعبٌ مستأجر، أطقم رياضية، إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، وصافرة. مبروك، بتّ تملك أكاديمية لتعليم كرة القدم للناشئين. هؤلاء الناشئون، يتتلمذون على يد ناشئ أيضاً، خاض موسماً او اثنين في دوري الدرجة الأولى، لكنه ظهر على شاشة التلفزيون، وغالباً لا يزال بإمكانه اللعب مع المنتخب الأولمبي، لكنه بطريقة ما، يستطيع أن يُعلّم أجيالاً أساسيات اللعبة. ومع ملعبٍ أوسع، مكتب، اسمٌ أجنبي، رخصة، ومجموعة من المدربين، يُصبح بإمكان فريق الأكاديمية التي تملكها أن يشارك في المسابقات الرسمية، وأن ينشط لاعبوه مع المنتخب الوطني. ألف مبروك!
تعتاش الأكاديميات على رسوم الاشتراكات المدفوعة من الأهالي (أرشيف ــ مروان طحطح)

شكّل خروج ألمانيا المبكر من «يورو 2000» صدمةً للجمهور الألماني، الذي كان يأمل بحفاظ منتخب بلاده على اللقب الأوروبي، رغم فشل التأهّل إلى نصف نهائي كأس العالم قبل سنتين. تشكيلة «المانشافت» كانت تضم تسعة لاعبين فوق الثلاثين. مستقبل المنتخب بدا مقلقاً بوجود عجائز غير قادرين على العودة بألمانيا إلى منصات التتويج. اتحاد الكرة أجبر الأندية المحترفة حينها على إنشاء أكاديميات تهتم باللاعبين الناشئين، منفقاً أكثر من مليار يورو على مدى أكثر من عشر سنوات، ليحقق المنتخب الألماني بطولة كأس العالم بعد غياب دام 24 عاماً. ثورة الأكاديميات الألمانية استطاعت مقارعة نظيراتها في أوروبا وأميركا اللاتينية، مثل أكاديمية «لا ماسيا» لبرشلونة، وسبورتنغ لشبونة وأياكس وساو باولو وغيرها، حتى باتت قوة الأندية تُقاس بعدد اللاعبين الذين تُخرّجهم أكاديمياتها، ذلك عدا عن الربح الذي تحققه جراء تنمية اللاعبين وانتقالهم إلى أندية أخرى. الحال في لبنان يبدو مختلفاً. في الحقيقة، معظم الأندية اللبنانية لا تملك أكاديميات وتعتمد على فرق الفئات العمرية، التي هي الأخرى، لا تولَى الاهتمام المطلوب من قبل الإدارات أو اتحاد اللعبة. في المقابل، تنتشر الأكاديميات غير التابعة لأي نادٍ، التي تشارك في المسابقات الرسمية بأسماء الأندية، بسبب عدم وجود دوري خاص بالأكاديميات، إلى جانب الأكاديميات غير المرخّصة، التي تهدف إلى تحقيق أهداف مادية خاصة في فترة توقّف الدوري.
يتطلّع الناشئ إلى اللعب مع الأندية العالمية ويحلم بارتداء قميص نادٍ عريق


يشعر المتابع، وخاصةً إن كان لبنانياً، ويعرف البلاد، أن الهدف من «الأكاديميات» تجاري بحت. وهذا مشروع وليس عيباً. هي غير مموّلة، ولا تدر مالاً وفيراً على مؤسسيها عبر انتقال اللاعبين إلى الأندية، وتالياً تعتاش على رسوم الاشتراكات المدفوعة من الأهالي. إلا أنه مقابل هذا الهدف، من المفترض أن يكون هناك نتيجة للاعبين. يختصر المدرب حسين حمدان الموضوع: «الأكاديميات خرَبت الفوتبول في لبنان». اللاعب الدولي السابق الذي يشغل منصب مساعد مدرب فريق النجمة، ومدرب في «أكاديمية أتليتيكو»، يعتبر أن أغلب الأكاديميات الكروية في لبنان هدفها الربح فقط. «صحيحٌ أن الهدف من الأكاديمية تجاري وربحي، لكن يمكن أن يهدف المشروع إلى تحقيق الربح بنسبة 50%، والنصف الباقي في تعليم كرة القدم، لكن أن ينصب الهدف تماماً نحو تحقيق الربح دون سواه فهذا أمر غير مقبول». يأسف حمدان لعدم اعتماد الأندية على الأكاديميات، رغم اعترافه أن فرق الفئات العمرية تُعد أفضل من جهة تطوير اللاعبين في لبنان، ويعتبر أنه يجب على كل نادٍ أن يملك أكاديمية إلى جانب فرق الفئات العمرية، «من جهة تؤّمن ربحاً مادياً ومن جهة أخرى تجمع عدداً أكبر من اللاعبين للبحث عن أفضلهم». يسأل عن الأكاديميات غير المرخّصة التي يديرها اللاعبون بشكل عام. «كيف للاعب لا يملك أي شهادة تدريب أن يفتتح أكاديمية، أو أن يُشرف على تدريب اللاعبين؟ ما الذي يؤهله لتعليم النشء وهو لم يلعب سوى بضع مباريات مع الفريق الأول؟».
عموماً، يتطلّع اللاعب الناشئ إلى اللعب مع الأندية العالمية والتمثّل بالنجوم. يحلم بارتداء قميص نادٍ عريق غير ذلك الذي يشتريه من المحلات، إلا أن البعد في المسافة، والبدل المادي، يشكلان عائقاً أمام هؤلاء الأولاد لتحقيق أحلامهم. أسماءٌ لأكاديميات لأندية إسبانية أو إيطالية أو فرنسية، وحضور لنجوم عالميين ليوم أو اثنين، قادرين على إغراء أي ولد وذويه لدفع المبالغ الكبيرة، والالتحاق بأكاديميات الأندية الحلم. لا مفاجأة في أن هذه الأكاديميات لا تُخرّج لاعبين للأندية التي تتبع لها. الأسباب تبدو مبهمة، ما إذا لم تجد هذه الأكاديميات لاعبين قادرين على الانتقال إلى أوروبا، أو أنه لا هدف لها في ذلك أساساً. لكن المفاجأة تكمن في أن بعض هذه الأكاديميات، يُشرف على اللاعبين المنخرطين فيها مدربون لبنانيون! المدربون عينهم الذين يشرفون على فرق محلية. هكذا، يتعلّم الناشئ في الأكاديمية الأجنبية ما يتعلّمه غيره في الأندية اللبنانية. المهم أن «التأسيس» في أكاديمية للنادي الأوروبي الفلاني!
في أية حال، لم تُخرّج أي أكاديمية كروية لاعباً بعد فيليب باولي إلى منتخب لبنان الأول. الشاب الذي يترأس أباه، روبير، أكاديمية أتليتيكو، استدعي إلى منتخب لبنان عام 2013، حين كان المدرب الألماني ثيو بوكير، الذي يدرّب أيضاً في الأكاديمية، على رأس الجهاز الفني للمنتخب حينها، في حين كان اللاعب بدأ مسيرته في الدرجة الأولى مع نادي الراسينغ. قبله، كان نادراً انضمام لاعبي الأكاديميات إلى المنتخب الأول، أو منه إلى الأندية فالمنتخب، إلا أن منتخبات الفئات العمرية تعجّ بلاعبي الأكاديميات، الذين عادة، يمثّلون لبنان في تصفيات بطولةٍ أو أكثر، ثم يختفون. المُشكلة أنه هناك فجوة بين المنتخبات السنيّة والمنتخب الأول، إذ إن العديد من اللاعبين الصغار لا ينشطون مع أي نادٍ، وبعد وصولهم إلى المرحلة الدراسية الجامعية، يتوقفون عن مزاولة كرة القدم، وبالتالي، يتغيّر معظم لاعبي المنتخبات دون 20 عاماً وما فوق، إذ يبدأ اختيار لاعبي الأندية الذين لم يُشاركوا في منتخبات الفئات العمرية الأصغر. والأكاديميات مستمرة، و«الحسّابة بتحسب»!