عام 1990 كان عام التحوّل على صعيد كرة القدم في مدينة عاليه. حينها اندمج فريقا الإخاء والأهلي ليصبحا فريقاً واحداً صعد في 1991 إلى الدرجة الأولى، ليبدأ مشوارٌ كرويٌ طويل. مشوارٌ حوَّل النادي من ممثل للمدينة إلى واحدٍ على مستوى القضاء، تلتف عاليه بأسرها حوله. حتى الذين لا يحبّون كرة القدم، يحبّون فريق مدينتهم، ذلك رغم أن الحضور الكروي في مدينة عاليه لا يقتصر على نادي الإخاء الأهلي عاليه الذي يلعب في بطولة الدرجة الأولى. هناك الدينامو والنصر والنسور فرق في الدرجة الرابعة. لكن، يبقى الإخاء الأهلي وجه المدينة.إنه فريق الجبل ولا فريق سواه هناك في دوري الأضواء.
تبلغ موازنة نادي «الجبل» وممثله نحو 600 ألف دولار سنوياً (مروان طحطح)

صحيح أنّ هناك نادي شباب الساحل، لكن الفريق العائد إلى «الأولى» محسوب على منطقة بعبدا. هذا الأمر ليس شائعاً محلياً فقط، بل عالمياً أيضاً. الفِرق فِرق مناطق. سؤالٌ يُطرح هنا، طالما يمثل نادي الإخاء منطقة الجبل، لماذا لا يسمى «نادي الجبل»؟ يجيب أمين سر النادي وائل شهيّب:« هو أمرٌ واردٌ، لكن ليس في المدى القريب، وخصوصاً أنك حين تتحدث عن الإخاء الأهلي عاليه تتكلم على نادٍ على مستوى القضاء، وهو يضم أشخاصاً من مختلف الطوائف والأطراف السياسية». يرى شهيّب أنّ «هذا التنوّع ليس محصوراً باللجنة الإدارية، بل ينسحب أيضاً على الجمهور. فحين تكون على المدرج في مباراة للإخاء الأهلي عاليه تجد الاشتراكي والقومي والديموقراطي ومشجعين من مختلف الطوائف من أبناء القضاء». غالباً ما يطغى الطابع الدرزي على النادي نظراً إلى ارتباطه بمدينة عاليه وآل شهيّب، وتحديداً الوزير أكرم شهيّب، الذي كان له الدور الأساسي في عملية الدمج عام 1990. لكنّ استعراضاً للجنة الإدارية المؤلفة من سبعة أشخاص يكشف تنوّع الأعضاء. فالرئيس سامر خلف مسيحي من سوق الغرب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيليا مكرزل ابن الكحالة. التنوّع السياسي حاضرٌ أيضاً مع نائب الرئيس مالك أرسلان ومروان شهيب وفريد فخر الدين وبسام دلال رئيس بلدية راشيا، إضافةً إلى أمين السر وائل شهيب نجل الوزير. ترؤّس «شخصية مسيحية» لنادٍ كالإخاء الأهلي عاليه يبدو لافتاً. يبدو أقرب إلى «الصيغة اللبنانية» السائدة، التي تحب «التلميع» و«التنميق»، والفسيفساء الطائفية، رغم أن موقع «القرار» يكون معروفاً. يشبه الإخاء بتركيبته الإدارية تركيبة الحزب التقدمي الاشتراكي، أيام «الحركة الوطنية».
أكرم شهيّب هو عرّاب الفريق وكان لاعباً في خط وسطه قبل السياسة

كان يضم «ممثلين» عن الطوائف، لكنه كان مصبوغاً بصبغة الجبل. وهذا العرض لا يتجاوز كونه عرضاً. نسأل الرئيس خلف عن هذا التنوع، فيطلق جواباً «لبنانياً» هو الآخر: «لطالما كان الإخاء فريقاً متنوّعاً ويمثل أبناء القضاء. في السابق، كان ألبير خوري رئيساً للنادي، وأنا كنت عضواً إدارياً على مدى ثماني سنوات، وأفتخر برئاستي لنادٍ عريق يقوم بدور كبير على صعيد إبعاد الشباب عن الموبقات بمساعدة من الأهل الملتفين حول النادي». الطابع «الأهلي» حاضرُ، عندما يتحدث خلف عن «موبقات» بلغةٍ أبوية، والحديث عن «الفخر» بخلفية تعود إلى الطائفة، حاضرة أيضاً. التنوّع السياسي والطائفي أمرٌ «يعتزّ به» الإخائيون. وإن كان تذكيرهم بهذا التنوع طوال الوقت يفقده جزءاً كبيراً من معناه. في أي حال، يؤكّد شهيّب أن النادي يقع خارج إطار التجاذبات والانقسامات السياسية والطائفية: «رغم اختلافنا سياسياً مع الوزير طلال أرسلان، إلا أنّ نائب رئيس النادي هو مالك أرسلان»، يقول شهيّب الابن. هذا التنوّع ينعكس دعماً للنادي على صعيد المدينة والقضاء. فأي نادٍ يحتاج إلى موازنة عالية كي يثبت وجوده في الدرجة الأولى، وهنا يأتي دور فاعليات المدينة. يشير وائل شهيّب إلى أنّ وجود الدعم المالي ليس عاملاً كافياً للفوز في كرة القدم. الأهم، بحسب شهيّب، هو كيفية إدارة هذا المال وترشيد إنفاقه. «قبل سنتين، وصلت موازنة النادي إلى نحو مليون دولار، ورغم ذلك كان الموسم الأسوأ على صعيد النتائج. كدنا أن نهبط إلى الدرجة الثانية وقدّم الفريق أداء سيئاً، على عكس الموسمين الماضيين. بموازنة لم تتجاوز الـ 600 ألف دولار، حل الإخاء رابعاً في الموسم ما قبل الفائت، وكان فريقاً قوياً في الموسم الماضي بقيادة المدرب العراقي عبد الوهاب أبو الهيل»، يخبرنا.
لنادي الإخاء الأهلي عاليه ما يميّزه، إلى جانب مستواه القوي. كرة القدم هنا ليست محصورة بالذكور فقط. للإناث حصة من ذلك أيضاً، حتى إنهنّ تفوّقن على الشباب وحقّقن ألقاباً أكثر منهم. وقد تبدو الفكرة غريبة بأن تكون الكرة النسائية ناشطة في منطقة جبلية تعتبر محافِظَة أكثر من المدينة. لكن هناك ما يقارب الثلاثين لاعبة في الفريق. «في المباراة النهائية للبطولة أمام السلام زغرتا على أرضهم، توجه نصف منطقة عاليه إلى زغرتا دعماً للفريق في أجواء رائعة»، يصف شهيب ما حدث يوم تتويج الإخاء بلقبه الثاني. قبل خمس سنوات مضت، لاحظ أمين السر وائل شهيّب في مدرسة الجامعة الوطنية التي يديرها رغبةً لدى الطالبات بلعب كرة القدم. حينها سأل مدرب الأشبال في النادي فراس عبد الخالق عن إمكانية تأسيس فريق للبنات. ومنذ ذلك الوقت بدأ المشوار. «لم تكن النتائج في البداية مشجعة. تلقينا خسارات بنتائج كبيرة. لكن فراس كان يطلب مني الصبر. استمر العمل حتى أحرز فريق الفتيات لقب بطولة لبنان دون 17 عاماً لموسمين ووصافة بطولة دون 19 عاماً»، يقول.

كرة القدم هنا ليست محصورة بالذكور فقط للإناث حصة من ذلك أيضاً


أحلام كثيرة إذاً. لكن يبقى السؤال، من أين يؤمّن النادي موازنته السنوية؟ تتوزع مصادر النادي من دعم بلدية عاليه بمبلغ يصل إلى خمسين ألف دولار، إلى جانب دعم وزارة الشباب والرياضة الذي يتراوح بين 50 و60 ألف دولار بعد مجيء الوزير محمد فنيش الذي وحّد المساعدات بين الأندية، كلٌّ بحسب الدرجة التي يلعب فيها. كما يشير شهيّب إلى أنّ العشاء السنوي أيضاً يؤمّن للنادي ما يقارب السبعين ألف دولار. أما الباقي، فيتم تأمينه بجهود أعضاء الإدارة والرئيس من خلال أكاديمية النادي في الصيف التي يخصص ريعها لمصاريف الفئات العمرية، والتي تتوزع بين الشباب والناشئين والأشبال بحيث تضم ما يقارب التسعين لاعباً. كل هذه الجهود يتم بذلها للحفاظ على استمرارية النادي لما له من أهمية اجتماعية في ما يتعلّق بـ«احتضان الأولاد والشباب وإبعادهم عن المشاكل». والجملة الأخيرة، على طرافتها، فإنها مشتقة من أدبيات المجتمع اللبناني الهَرمي. رياضياً، «الطموحات كبيرة، لكن الإمكانيات متوسطة. لا يمكن تحميل الأشخاص الداعمين أعباء إضافية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. لكن يبقى الأهم الحفاظ على استمرارية النادي الذي يقوم بدور يتخطى البعد الرياضي إلى جانب اجتماعي وإنساني أوسع»، يختم شهيب حديثه لـ«الأخبار». وللمناسبة، يعتبر الوزير والنائب أكرم شهيّب الأب الروحي لنادي الإخاء الأهلي عاليه. فهو كان لاعباً في فريق الإخاء، وتحديداً في مركز خط الوسط قبل أن يتوجّه الى السياسة. وهو من قام بدمج الناديين وأوصله الى الدرجة الأولى موسم 1991-1992 حين دخل إلى الندوة البرلمانية للمرة الأولى عام 1992. وفي ظل الحديث عن شهيب الوزير، يبرز سؤالٌ عن الفائدة التي جناها النادي من وجود شخصية سياسية داعمة لنادي المدينة والقضاء. الأجوبة تحضر لدى الأب والابن. فوائل شهيب يعتبر أن النادي استفاد من موقع والده أكثر بكثير مما استفاد الأخير من النادي... «لولا وجود الوالد في السياسة وعلاقاته وجهوده، كيف كان بالإمكان الحصول على مبلغ 3 مليارات ليرة لإتمام ملعبي عاليه وبحمدون؟ علاقة والدي بالنادي أكبر من المصالح، فالإخاء جزء من حياة أكرم شهيب. رغم كل المشاكل التي يعانيها أحياناً، واتخاذه القرار أكثر من مرّة بعدم الذهاب إلى الملعب ثانية تراه أول الصاعدين إلى بحمدون حين يكون هناك مباراة للإخاء. في إحدى المرات، فوجئت بوالدي يتصل من داخل جلسة مجلس الوزراء ليسأل عن موضوع يتعلّق بالنادي»، يقول الابن. أما في ما يتعلق بعلاقته بالنادي ومدى استفادته منه، يؤكد شهيب الأب أنها «هواية وواجب» تجاه منطقته لا علاقة لها بالسياسة. حسب قوله، النادي هو المستفيد من موقعه السياسي حين ساهم في صعوده إلى الدرجة الأولى، وأنّ وجوده «يساعد في تقديم الفاعليات الاقتصادية الدعم للنادي». وهذا ما قد يقوله وائل أكرم شهيّب عن نفسه، إذا «ورث» المقعد، والنادي، والجبل، عن والده في يومٍ من الأيام.