قبل نحو الشهر تقريباً كان بالإمكان لمس انقسامٍ كبير بين مشجعي فريق الحكمة لكرة السلة حول من يفترض أن يحمل «كرة النار» ويجلس في «المقعد الساخن» في الموسم الجديد. هو المقعد الذي بلا شك لا يرغب به أحد في ظل الظروف التي يمرّ بها الحكمة ولا يزال على المستويين الإداري والمالي، إذ بات العُرف في كرة السلة اللبنانيّة يقدي بأن المدرب الذي يملك إدارة قوية ومتمكّنة مالياً يستطيع النجاح وسط بحث أفضل اللاعبين عن العروض الأكبر بعيداً من الوفاء لأي فريق أو الارتباط به كما كان يحصل أيام بداية العصر الذهبي للعبة في لبنان. وبين المدرب السابق فؤاد أبو شقرا ونظيره العائد غسان سركيس كان كل الكلام. البعض يتحدث عن عدم قدرة الأول على تقديم المزيد للفريق على اعتبار أنه لم ينجح في قيادته إلى لقب البطولة العصي عليه منذ 14 عاماً، وذلك رغم تأمين متطلباته خلال مواسم عدة بعيداً من الاضطرابات الدائمة التي مرّ بها النادي. أما البعض الآخر فيصوّب على فشل الثاني في قيادة الشانفيل إلى لقب الموسم الماضي رغم تأمين ميزانية كبيرة له واستقدامه للنجم فادي الخطيب ولأسماء أجنبية رنانة أيضاً. كما يتحدثون عن عدم قدرة سركيس على تقديم أي جديد، وخصوصاً أن النادي اليوم هو في أسوأ حالاته المالية، وبالتالي سيصعب الأمر على المدرب المخضرم لترميم الفريق وتقديم شيء مقبول معه. سركيس كان في مكانٍ آخر، وذهب حيث لا يجرؤ الآخرون بقبوله بـ «المهمة المستحيلة» في النادي الأخضر. هو أمر ليس بالمفاجئ لمن عايش هذا المدرب في بطولة لبنان، إذ كانت كلمة الحكمة غالباً على لسانه. هو اهتم لأمر النادي الذي عرف المجد معه، حتى في تلك الأيام التي عاش فيها جحيماً في كل زيارةٍ له مع فريقٍ منافس إلى ملعب غزير. ببساطة، حنينه إلى الماضي وإلى البدايات الجميلة وإلى تلك «النوستالجيا» المزيّنة بالموشحات التي تشيد باسمه لا التي تشتمه، أعادته إلى المكان الأحب إلى قلبه بحسب ما يقول مقرّبون منه. العاطفة يمكن لمسها أصلاً في كلام الرجل العوني الهوى، فهو قال في حديثٍ إذاعي قبل أيام بأنه سيذهب إلى معراب لتقبيل «قَرعة سمير جعجع» في حال دعم الحكمة. إذاً هو شعر بمدى حاجة الحكمة إليه، وبمدى حاجة الحكمة لكل دعم، وبرأيه «كل من يدعم هذا النادي يكون قد قام بعملٍ وطني».
كلامٌ مؤثر فعلاً، ويحسب لإدارة النادي التي يصفها البعض بأنا تَحتضر، إقناعها سركيس بتولي المهمة في هذه الفترة الصعبة، فالمدرب الذي كان رمزاً في غزير في أواخر تسعينات القرن الماضي له تأثيره في مجالاتٍ عدة: في تأمين الدعم المالي، في الجمهور الذي يحنّ إلى أيام المجد، وفي عددٍ كبير من اللاعبين اللبنانيين الذين يمكنه إقناعهم بالتوقيع لفريقه دون سواه. هو يعمل حالياً على جبهاتٍ عدة، إذ عاد للتواصل مع آل شويري وإيلي يحشوشي طالباً الدعم المالي لإيقاف الفريق مجدداً على قدميه، وهو ينتظر أجوبةً إيجابية من خلال مجموعة من الرعاة الذين تواصل معهم بنفسه، ويفترض أن تكون اسماؤهم على القميص الأخضر وحول الملعب حين الوصول إلى اتفاقٍ مع راعٍ أساسي للفريق.
بطبيعة الحال، هو يقف أمام التحدي الأصعب في مشواره التدريبي، إذ عملياً يضم الحكمة حالياً ثلاثة لاعبين فقط هم جو غطاس، صباح خوري، وعزيز عبد المسيح. ومن عند الأخير ينظر سركيس إلى مشهد الماضي عندما تسلّم فريقاً يضم لاعباً شاباً آخر هو الخطيب وعمل على تعزيز الفريق وبنائه وفق رؤيته الخاصة التي تمحورت في المواسم الأخيرة حول الاعتماد كثيراً على لاعبين صغار السنّ ومطعّمين بعناصر الخبرة، فيرى في كارل عاصي الذي لعب تحت إشرافه في الشانفيل مناسباً للحكمة، تماماً كما هو حال كرم مشرف. ولم لا إيجاد تسوية مع إيلي اسطفان ورودريك عقل بخصوص الأموال العالقة لهما في النادي وإعادتهما إليه، وكذا بالنسبة إلى روني فهد في حال لم يجدّد ارتباطه بنادي بيروت، إذ إن إضافة لاعبين أصحاب خبرة إلى مجموعة شابة ستشكّل أيضاً تحديّاً لإيجاد توازنٍ بين جيلين، في وقتٍ لم ترتبط فيه الإدارة مع أي لاعبٍ جديد حتى الآن بانتظار تأمين التمويل وتحديد الميزانية قبل الشروع بالعمل.
مشهد الماضي لا يبدو أنه يفارقه، فإذا وُجد لبنانيون بعقودٍ مقبولة، الأمر لا ينطبق على العنصر الاجنبي، لكن لا بالنسبة إلى سركيس الذي يستشهد بتجربته القديمة الناجحة، وذلك عندما استقدم السنغالي أسان ندياي والنيجيري الراحل محمد آشا، ليتوّج الحكمة ملكاً على العرب عام 1998 ثم في 1998، وهي السنة التي شهدت تربّعه على عرش آسيا أيضاً للمرة الأولى في تاريخ كرة السلة اللبنانية. لذا لا يمانع استقدام ثلاثة لاعبين أفارقة بأسعار مقبولة وتحقيق المفاجأة كما فعل قبل 20 عاماً.
سنوات طويلة لم تنهِ قصة مدربٍ يعشق التحديات ويقابلها بابتسامة وتفاؤل وثقة يستمدها من تاريخٍ كتبه في ملاعب كرة السلة ولا ينسى أي تفصيلٍ عاشه فيها، فهو حتى يطلب عودة قائد الأوركسترا الشهير بشير هيكل «باشو» ليرافقه في الموسم الجديد، آملاً أن يعزف نشيد النصر القديم ولا شيء سواه.